قضايا وآراء

قرار مجلس الأمن 2735.. ماله وما عليه؟

| محمد نادر العمري

بالرغم من إعلان مندوبة الولايات المتحدة الأميركية في مجلس الأمن ليندا توماس غرينفيلد منذ ما يزيد على أسبوع، توزيع بعثتها الدبلوماسية مسودة قرار لأعضاء مجلس الأمن الدائمين وغير الدائمين تتضمن ما عرف بمبادئ خريطة الرئيس الأميركي جو بايدن لوقف القتال في قطاع غزة، إلا أن جدولة التصويت على هذه المسودة ضمن جدول أعمال المجلس لم تطرح سوى قبيل ساعات من انعقاد الجلسة وبعد إجراء بعض التعديلات التي قدمها مندوبو البعثات الدبلوماسية، ليتبنى بعدها مجلس الأمن بأغلبية 14 دولة وامتناع دولة واحدة، وهي روسيا، لمشروع القرار الذي ينص على وقف إطلاق النار في غزة وتبادل غير مشروط للأسرى بعد ما يزيد على ثمانية أشهر من بدأ العدوان الإسرائيلي على القطاع.

بالمبدأ تبني مشروع القرار في مجلس الأمن وفق الرقم 2735، هو خطوة إيجابية من المنظمة الدولية التي تعنى بحل الأزمات والصراعات بالآليات والوسائل الدبلوماسية، ولكنها جاءت متأخرة، أي بعد استشهاد وجرح أكثر من 125 ألف مواطن فلسطيني، تبلغ نسبة النساء والأطفال منهم ما بين 76 إلى 82 بالمئة وفق تقدير المنظمات الدولية وتدمير ما يناهز 90 بالمئة من القطاع بشكل كلي أو جزئي.

صيغة القرار الذي تضمن العديد من النقاط الإيجابية في بنوده من وقف العمليات القتالية وتبادل الأسرى وعودة أهالي القطاع لمناطقهم ومنع حصول تغيير ديموغرافي والانسحاب الإسرائيلي وإدخال المساعدات وفك الحصار وإعادة الإعمار ودعم خيار الدولتين بعد مسار تفاوضي، تشوبه حالة من الضبابية في بعض بنوده التي من الممكن أن تغدو حمالة أوجه في تفسيراتها ودلالتها وفقاً لأطراف الصراع أو الوسطاء أو حتى القوى الداعمة لهذا الطرف أو ذاك، كما أن مضمون القرار لم يكن ملزماً للكيان الإسرائيلي وحكومته اليمينية المتطرفة، ولاسيما أن بعض ما ورد من بنود القرار، لا تتفق مع أهداف رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وأعضاء ائتلافه الحاكم، وهو ما انعكس بشكل جلي بتصريح نتنياهو قبل ساعات من تبني القرار وبعد لقائه وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن بأن كيانه لن يوقف العدوان إلا بعد تحقيق كل الأهداف، في الوقت الذي انبرت فيه المندوبة الأميركية لحث الفصائل الفلسطينية وفي مقدمتها حركة حماس التي سارعت للترحيب بالقرار، على القبول بالقرار وممارسة الضغوط عليها من قبل الدول الإقليمية من أجل ذلك، ولكنها لم تدع إسرائيل لذلك، رغم ما يبديه ويصرح به نتنياهو وأعضاء ائتلافه اليميني المتطرف وآخرها تصريحات وزير الأمن إيتمار بن غفير خلال مشاركته بمؤتمرEXPO Muni برفضهم أي اتفاق، والاستمرار بممارسة القتل والتدمير والتهجير الذي مارسته إسرائيل في النكبة عام 1948، وأثناء النكسة عام 1967، كما أن القرار يفتقر لوجود أي آليات أو ضمانات لتطبيق بنوده، والضبابية تبلورت في غياب وجود ضامنين نزيهين وحياديين وآليات مراقبتهم وقدرتهم على ضبط مسار التهدئة خلال المراحل الثلاثة.

من النقاط الخطيرة في هذا القرار هو تضمنه لفقرة التبادل غير المشروط، وهنا يجب أن نضع ألف خط أحمر تحت كلمة غير مشروط لصفقة تبادل الأسرى، بمعنى آخر قد نكون أمام مراوغة أميركية هدفها منح الكيان فرصة استعادة الأسرى مقابل التنصل من تقديم التزام واضح بضمان وقف إطلاق نار دائم في القطاع.

إضافة إلى ما سبق هناك العديد من النقاط التي لا يمكن تغافلها في توقيت ومضمون هذا القرار:

1. تزامن القرار مع الزيارة الثامنة لوزير الخارجية الأميركية للمنطقة عموماً والكيان بشكل خاص، وهو ما قد يفهم أنه محاولة أميركية لتقديم ضمانات للكيان الإسرائيلي بعدم التوصل لأي اتفاق لا يلبي المصالح الإسرائيلية، وهذه المبادئ التي تضمنها مشروع القرار هي قابلة للتفاوض بما يلبي أهداف الكيان ويحقق لها تعويضات إستراتيجية إقليمياً، ويحد من تدهور الأوضاع شمالاً هذا من جانب، ومن جانب آخر قد يمثل القرار جسر أمان لنتنياهو لتفادي ضغوط سموتريتش وبن غفير بعد تهديدهم بالانسحاب من الحكومة وبعد تعقد المشهد السياسي الداخلي الإسرائيلي بعد انسحاب بني غانتس وإيزنكوت من مجلس الحرب، ومن جانب ثالث قد يكون القرار مخرجاً إسرائيلياً أميركياً لتخفيف حجم الضغوط الداخلية والخارجية عليهما من خلال إطالة أمد التفاوض خلال المرحلة الأولى والتي لا تنص على الانسحاب أو وقف إطلاق نار دائم، واتهام حركات المقاومة بعرقلة هذا الاتفاق بعد فترة من الوقت قد تزيد على ستة أسابيع من التفاوض لتصل إلى ستة أشهر، وبذلك يكون نتنياهو نفذ جزءاً من الاتفاق المتعلق باستبدال جزء من صفقة الأسرى، وكسب الوقت للبقاء أكثر في رئاسة الحكومة بذريعة التفاوض.

2. قد يكون القرار محاولة ابتزاز رخيصة من قبل الإدارة الأميركية لإجبار الفصائل بتسليم الأسرى ولاسيما حاملي الجنسية الأميركية دون تقديم ضمانات لوقف دائم لإطلاق النار لاستثمار ذلك ضمن الحملة الانتخابية للرئيس جو بايدن، كما أنها قد تكون محاولة من قبل الإدارة الأميركية بتلميع صورتها عبر إظهار سعيها لحل الصراع، وتخفيف حجم الضغط الداخلي والخارجي عليها والاهتمام بالشأن الانتخابي، ولاسيما بعد الفضيحة الكبرى التي برزت بعد مشاركة القوات الأميركية في الجريمة التي ارتكبتها قوات الاحتلال في مخيم النصيرات والتي أودت بحياة 274 مواطناً فلسطينياً أثناء تحرير الأسرى.

إن ترحيب حماس والجهاد الإسلامي السريع بما تضمنه قرار مجلس الأمن وإبداء استعدادهما للتعاون مع الوسطاء للدخول في مفاوضات غير مباشرة حول تطبيق هذه المبادئ وفق ما يتماشى مع مطالب الشعب الفلسطيني، وتسليم ردهما للوسطاء الإقليمين على مبادرة بايدن وبعد أقل من مرور يوم على تبني القرار، يعكس ثلاث نقاط في غاية الأهمية:

أولاً- المرونة التي تسود عملية صنع القرار داخل الفصائل وفي علاقتها بعضها مع بعضٍ، كما أنها تعد بمنزلة الاتفاق العام على المبادئ المشتركة التي لا يمكن المساومة عليها.

ثانياً- الفصائل الفلسطينية المقاومة ولاسيما حماس، رحبت بما تضمنه القرار ولم توافق على صيغته المقدمة بما في ذلك التبادل غير المشروط للأسرى، ودون وجود ضمانات لديمومة وقف إطلاق النار، وتقديم تعهدات أميركية خطية بتطبيق ذلك وفق ما سرب من الرد الذي سلم للوسطاء على مبادرة بايدن.

ثالثاً- مسارعة الفصائل المقاومة للترحيب بتبني القرار 2735 هدفه من ناحية تفادي استمرار اتهامها بعرقلة الاتفاقات وخاصة تلك الاتهامات التي باتت كالمعزوفات المتكررة الصادرة عن لسان المسؤولين الإسرائيليين والأميركيين لحركة حماس، وتجنباً لأي ضغوط واتهامات قد توجه للفصائل في حال عدم تطبيق القرار، وكذلك لزيادة إحراج نتنياهو المتأزم سياسياً ورمي الكرة بالملعب الإسرائيلي.

إن اتخاذ مجلس الأمن لقرار تبني المشروع الأميركي أو ما عرف بمبادئ خريطة بايدن لا تعني بالضرورة توقف إطلاق النار في قطاع غزة، بل قد تمهد فقط لتسريع وتيرة المباحثات وإعادة الدماء لها، وهناك العديد من النقاط التي مازالت عالقة وتشكل بدورها ألغاماً قابلة لنسف أي اتفاق في أي لحظة، من بينها:

– تبادل الأسرى يجب أن يكون وفق شروط متفق عليها بما في ذلك الأعداد والقدم وقوائم الأسماء والضمانة بعدم عودة الاعتقال بالنسبة للمعتقلين الفلسطينيين، وليس التوجه نحو تطبيقه بطريقة غير مشروطة أو وضع فيتو على بعض الأسماء.

– القرار أو الاتفاق الإطاري لمبادئ بايدن يجب أن يكون هدفه في نهاية المسار وقف إطلاق نار شامل لكل القطاع والانسحاب الإسرائيلي الكلي من غزة، وذلك عبر تعهد خطي مكتوب من الأميركي والإسرائيلي على حد سواء.

– منع الإسرائيلي والأميركي من استغلال القرار لزيادة الضغوط على الفصائل أو لإعادة العدوان مرة جديدة، فضلاً عن الاستثمارات الداخلية والدولية له، وهذا مرتبط بنباهة المقاومة ومحاكتها لعقلية الطرف الآخر وتقسيم تطبيق ملف الأسرى وخاصة الذين يحملون الجنسية الأميركية على المراحل الثلاث.

– المطالبة بوجود ضامنين إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية من دول ومنظمات تكفل تطبيق المبادئ بحيادية ضمن آليات يتفق عليها، في ظل الكثير من الشكوك عن نيات واشنطن من جراء مسارعتها لطرح القرار والتصويت عليه بهذا التوقيت، بعد استخدمها ثلاث مرات حق النقض «الفيتو» ضد مشاريع وقف إطلاق نار سابقة، وهو ما أشار إليه المندوب الروسي فاسيلي نيبينزيا، الذي امتنعت بلاده عن التصويت لهذا القرار، ليس لعدم رغبة روسيا بوقف نزيف الدماء وإيجاد حل سياسي للقضية الفلسطينية كما تم اتهامها من بعض القوى، بل هدفه عدم الثقة بالمبادرة الأميركية، نتيجة دور واشنطن في دعم الكيان باعتداءاته على قطاع غزة أو من حيث عرقلتها لكل المشاريع السابقة لوقف إطلاق النار، أو كنتيجة الصراع بين موسكو وواشنطن ضمن النظام الدولي وأزماته وملفاته الصراعية أو ضمن الأزمة الأوكرانية.

كاتب سوري

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن