اقتصاد

ملح الفساد.. لا يملِّح!

| علي نزار الآغا

أتيح لي منذ أيام لقاء المسؤول الأول في أحد الأجهزة الرقابية، ودار بيننا نقاش صريح وشفاف حول دور هذه الأجهزة، وإمكانياتها المتاحة، وما يعوق عملها الرقابي ليكون فاعلاً، وحدود ممارسة مهماتها التفتيشية والخبرات والطاقات البشرية المهمة لديها.
بعد هذا اللقاء خرجت بعدة انطباعات وتساؤلات عن جدوى عمل الأجهزة الرقابية في مكافحة الفساد، أضعها أمامكم في هذه السطور: أن تكون أجهزة الرقابة مرتبطة مباشرة بالحكومة، فهذا برأيي «ضحك على اللحى»، إذ يصعب الوثوق بجدوى عملها مئة بالمئة، فهي أجهزة تتبع للحكومة وبنفس الوقت تراقبها!
أجهزة الرقابة على اختلاف اختصاصاتها تدرك هذه القيود تماماً، لذا أعتقد أنها تعمل على مبدأ «الحيط الحيط وياربي السترة» فوجود حدّ أدنى من الرقابة، أفضل من عدم وجودها نهائياً.
بين تقييد صلاحيات تلك الأجهزة، ورسم حدود لمناطق معزولة الرقابة في مؤسسات الحكومة، قد تنتشر ألغام الفساد، ما يجعل مكافحة الفساد كظاهرة عامة، غير موضوعية، وهنا يخطر ببالي الكثير من الأسئلة، ولعل أكثرها نزقاً؛ لماذا لم نسمع عن تدقيق وكشف لحالات فساد في مؤسسة رئاسة الحكومة؟ لماذا هناك حدود في الرقابة عملياً على عمليات ضخّ الدولار اليومية لشركات الصرافة المرخصة من مصرف سورية المركزي، في إطار التدخل لضبط سوق وأسعار الصرف لكونه غير وارد فنياً؟ لماذا لا تملك أجهزة الرقابة قدرة على الولوج إلى مجلس النقد والتسليف والتدقيق في قراراته؟ لماذا لم نسمع عن تدقيق وحالات فساد في شركات الصرافة والمصارف التي تمنح تسهيلات ائتمانية للتجار التي قد تستخدم للمضاربة أو لتهريبه؟ لماذا لم نسمع عن إيقاف شركات البورصة غير المرخصة «الفوركس» التي تساعد على تهريب القطع خارج البلد؟ لماذا لم نسمع حتى اليوم عن توقيف لأمراء حرب أو تجار أزمة؟ لماذا لم نسمع عن تدقيق وكشف حالات فساد في الأجهزة الرقابية نفسها؟.. وغيرها الكثير من الأسئلة المشابهة، التي لا يسعني عرضها كلها. إلا أن النتيجة التي وصلت إليها تتلخص بأن تحويل تبعية الأجهزة الرقابية لرئيس الجمهورية مباشرة، أصبح ضرورة «حتمية» لتأسيس البنية التحتية المتينة لمحاربة الفساد وكشف نقاط الخلل في الأداء الحكومي.
من دون ذلك تبقى الشبهية سمة العمل الرسمي، فالرقابة هي ملح الفساد، لكن الملح تفسده الرطوبة، ولا يملّح إلا تحت أشعة الشمس.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن