من دفتر الوطن

لحظات نعيم ويوم بؤس

| حسن م. يوسف

لطالما اعتبرت نفسي محظوظاً لأن الحياة تكرمني بلقاء الكثير من الناس الرائعين، لكن حظي له أيام بؤس أشد قتامة من أيام بؤس المنذر ابن ماء السماء، كما لو أنه يجمع لي لحظات النعيم التي أعيشها متباعدة على امتداد أعوام ليردها لي في يوم بؤس واحد.

بسرور تلقيت دعوة سعادة سفير الجمهورية العربية السورية في سلطنة عمان الدكتور إدريس ميا لحضور فعالية (أيام سورية) التي تقام بالتعاون مع متحف بيت الزبير في العاصمة العمانية مسقط، لعرض فيلم (المطران) الذي أخرجه الصديق باسل الخطيب وكتبت له السيناريو.

بدأت رحلتي عصر يوم الإثنين قبل الماضي بالسيارة من دمشق ثم استمرت بالطائرة من بيروت إلى الدوحة ومنها إلى مسقط التي وصلتها بعد ظهر الثلاثاء قبل الماضي قبل موعد عرض الفيلم بساعات.

كان تفاعل الجمهور مع الفيلم عميقاً ومؤثراً، ما أنساني مشقة الرحلة وأنعش قلبي بلحظات نعيم فريدة، وقد حظيت بلحظات نعيم أخرى من خلال رفقة الدكتور فراس بكور وغيره من أبناء سورية النجباء من مغتربين ودبلوماسيين، في اليوم التالي حظي قلبي بلحظات نعيم أخرى عندما استضافني الإعلامي النبيه سليمان المعمري في برنامجه «ضفاف» الذي يبث على قناة عمان الثقافية، والحق أن الرجل أدهشني بعمق اطلاعه على تجربتي المتواضعة في دنيا الكتابة.

يوم الخميس قبل الماضي بدأ كل شيء عادياً في مطار مسقط إذ أودعت حقيبتي وحصلت على بطاقتي صعود إلى الطائرة لاستخدام الثانية في مطار الدوحة باعتبار أن رحلتي (مؤكدة) في كل مراحلها. في مطار الدوحة أمضيت ساعات الانتظار في متابعة مأثرة أهلنا الأليمة في غزة، عبر الإنترنت، كما قرأت صفحات من كتاب «مسامرات الأموات واستفتاء ميت» للفيلسوف السوري الساخر لقيان السميساطي، وفي المساء تقدمت لبوابة الصعود إلى الطائرة بعد فتحها بدقائق لكن الموظف أفهمني بلغته الهندو إنجليزية أنه ينبغي عليَّ مراجعة مكتب شركة الطيران القطرية وبعد مماحكات وكلام غير مفهوم أُبْلِغت أنني يجب أن أراجع مكتب (الترانسفير) في الطابق الأعلى، قدمت أوراقي لمضيف شاب أمام المكتب إياه، فأخذ جوازي وكل وثائقي طالباً مني أن أنتظر حيث إن الدخول إلى مكتب الترانسفير ممنوع! وبعد نحو نصف ساعة اكتشفت أن المكتب له باب آخر للخروج، فاستوقفت شخصاً تبدو عليه علائم الأهمية وشرحت له أن طائرتي على وشك الإقلاع وأن كل وثائقي مع مضيف دخل ولم يعد! بعد قليل عاد الرجل وأعطاني جواز سفري قائلاً: «سأعود إليك» إلا أنه لم يعد، قبيل موعد إقلاع الطائرة خرج المضيف الشاب إياه وأبلغني بحرج أن الطائرة التي أملك بطاقة صعود إليها ممتلئة وأنه يعرض علي قضاء الليلة في الفندق على أن يحجز لي على أول طائرة تغادر إلى بيروت صباح اليوم التالي، ولما رأى مدى ذهولي واستيائي اختفى!

استوقفت مضيفة خمنت من شكلها أنها عربية، وشرحت لها الوضع الغريب الذي أنا فيه، متسائلاً كيف يمكن أن يحدث هذا في مطار حمد الذي يتباهى بفوزه بجائزة أفضل مطار هذا العام؟! أفهمتني المضيفة أن شركة «القطرية» تسمح لمكاتب السفر ببيع عدد من التذاكر أكثر من مقاعد الطائرة كي لا تبقى هناك مقاعد شاغرة في حال قيام البعض بإلغاء سفره!

المشكلة الأخرى هي أن الفنادق الموجودة داخل المطار كلها ممتلئة لذا اضطروا بعد ساعات من الانتظار المر، لأن يأذنوا لي بالدخول إلى الدوحة حيث أنزلت في فندق قديم ضخم يغطي رائحته بالعطور، ما هيج حواسي المتعبة فأمضيت الليل على الكرسي! الطريف في الأمر هو أنهم وضعوا تأشيرة الدخول على جوازي، لكنهم لم يضعوا ختم الخروج عندما غادرت صباح الجمعة قبل الماضي! أي إنني رسمياً ما أزال عالقاً في الدوحة! والحق أنني سأذكر يوم البؤس الذي أمضيته في تلك (المدينة) ما حييت!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن