ثقافة وفن

الصهيونية في المشروع الفني والثقافي العالمي وآليات مجابهتها … لم تستطع الصهيونية حجب الحقائق وأصوات المناصرين لفلسطين في الغرب

| مصعب أيوب

لا بدّ أن جميعنا يعيش حالة ألم وغضب واستنكار لما يعانيه الفلسطينيون اليوم على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما نسمع ونقرأ ونرى تفاصيله وحيثياته بشكل يومي دون توقف، وبالتأكيد لن تفي مادة صحفية واحدة لإظهار وإيضاح قبح ووحشية هذا الكيان المجرم وتسليط الضوء على التجييش الإعلامي الذي تقوم به أذرعه ومؤيدوه على الصعد كافة.

حجب وحظر

لعله يخفى على البعض أن الصهيونية تتحكم بنسبة كبيرة في نوعية المادة السينمائية التي تُضخ للعالم والتي تقوم في مجملها على تجميل صورة الإنسان الصهيوني، فنرى فيها أصحاب البشرة السمراء الأقوياء وأبناء شرق آسيا الخطيرين والعربي المتخلف، ولكن لن تجد أي إنسان صهيوني سلبي في المجتمع، فإسرائيل والصهاينة شيء لا يمكن المساس به في هوليوود، ومهما كان النجم عالمياً وصاحب حضور قوي على الشاشة وإن كان ذا باع طويل في عالم الفن، فليس هناك أسهل من إقصائه والتخلي عنه ومقاطعته إذا رفض العمل بما يخدم مصالح الصهيونية أو تعارضت أفكاره معها، وقد منعت الصهيونية أي وجود للرأي الآخر، وهذا الأمر يقدم الصورة الحقيقية لما يجري على أرض الواقع في فلسطين، ولعل أهم ما يدمغ هذا القول هو الحجب والمنع والحظر الذي تعرضت له العديد من الحسابات والصفحات الإلكترونية بعد أن قامت بذلك الجهات المسؤولة عن منصات التواصل الاجتماعي مؤخراً مع بدء عملية طوفان الأقصى، وجاء ذلك بتنظيم خوارزميات الأجهزة التقنية والإلكترونية والحسابات على مواقع التواصل باصطياد أي وجهة نظر موضوعية أو رأي يعارض توجهات إسرائيل أو حتى كلمة فلسطين نفسها وما إلى ذلك.

مشروع استيطاني

بدأت صورة الصهيوني تتحسن في السينما العالمية بالتزامن مع وصول اليهود المهاجرين إلى أميركا الذين راحوا يؤسسون كبرى شركات الإنتاج السينمائي والتلفزيوني هناك التي كان همها الوحيد التطبيل للصهيونية وإبراز أبنائها بصورة تثير التعاطف، ففي الأربعينيات من القرن الماضي ومع بداية تنفيذ اليهود مشروعهم الاستيطاني في فلسطين واغتصاب الأراضي الفلسطينية بغير حق من أجل إقامة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين أيّد بعض نجوم تلك الحقبة المشروع الاستيطاني وعملوا على نصرته ظناً منهم أن الوجود الإسرائيلي في فلسطين كان صراعاً للوجود البريطاني في فلسطين وأن الإسرائيليين ضحية، ليكتشفوا لاحقاً أنهم كانوا مخدوعين ليقوم بعضهم برفض الكثير من العروض والأعمال التي كان ينوي المشاركة فيها، وهو ما جعل إسرائيل تعمل بطريقة مختلفة في وقت لاحق وبأسلوب مغاير، فركزت على إظهار المسلمين والعرب على أنهم شعوب متخلفة وبدائية وفوضوية وعشوائية وتهوى العنف والدماء، وبالتالي تصل رسالتها بطريقة غير مباشرة لتركز على أن الإسرائيليين ضحايا وأبرياء في هذه المجتمعات وكان من أبرز هذه الأفلام «Delta force» و«Sahara» و«True lise» و«Black Sunday».

صورة نمطية

كما لم تنس إسرائيل أن تقدم جهاز استخباراتها على أنه يرنو إلى تحقيق العدالة الإنسانية وأوهمت المجتمعات بأنه يسعى لإحلال السلام أينما وجد من خلال قوته الخارقة وجعله بطلاً قومياً يهتم بفض النزاعات، وعليه فقد عمل الكثير من صناع الدراما التلفزيونية على زرع ذلك في العقل الباطن للمتلقي، ففي المسلسل الشهير «Ncis» قُدمت العميلة الإسرائيلية زيفاً على أنها امرأة فطنة وحادة الذكاء وقيادية ويمكنها إيجاد حلول كثيرة وسريعة وتمتلك قدرات عالية جداً، وعلى الجانب الآخر قُدمت صورة المرأة العربية على أنها متشددة دينياً وتمارس أعمالاً إرهابية أو أنها خاضعة لسلطة ما تتمثل في الزوج أو الأب والعائلة، ولا يبتعد الحال كثيراً في «Ncis» عن مسلسل «Home land» الذي صوّر العرب على أنهم مجرمون وعشاق حروب ودماء، ولعل المتعمق بعض الشيء في هذه الإنتاجات لن يخفى عليه أن معظم كتّاب أو مخرجي أو منتجي أعمال كهذه إسرائيليين إن لم يكونوا جميعهم كذلك.

دور حضاري

لم تتوقف الأمور عند هذا الحد، وقد راحت إسرائيل تدس السم في أي وسيط إعلامي حديث يظهر للجمهور، مؤخراً ومن خلال منصات التواصل والعرض الرقمي التي منها منصة العرض الشهيرة «Netflex» جندت إسرائيل أمهر وأقوى الشركات التي أوكلت لها مهمة تقديم محتوى يبرز الدور الحضاري والمهم للكيان الإسرائيلي ويهمش وينحي جانباً أي محاولة أو صوت من شأنهما كشف زيف وتحريف روايتهم الكاذبة، ويعد مسلسل «Fauda» أبرز ما يؤكد ذلك، وأيضاً مسلسل «Golda» الذي تحدث عن رئيسة وزراء إسرائيل السابقة غولدا مائير والقرارات الحاسمة التي اتخذتها خلال حرب 1973 ودورها الجوهري، ليقدمها لنا على أنها إنسان راقية جداً على الرغم من أنها كانت تسمى المرأة الحديدية.

ولم تكتف إسرائيل بالسيطرة على المحتوى وعلى مالكيه، بل راحت تعاقب وتقصي وتهدد وربما تقاطع أي فنان أو عامل في الساحة الفنية تراوده نفسه في رفض الرواية الرسمية الإسرائيلية ومحاولة الوقوف إلى الجانب الفلسطيني أو مجرد سماع روايته والتعاطف معه، لأن ذلك يمس ويزعزع بطبيعة الحال الكيان الذي بذل الغالي والنفيس في سبيل رفعة الصهيونية، وهو ما يمكننا القول بشأنه إن إسرائيل فشلت به، فتستمر بازدياد واضح الأصوات التي ترفض وتستنكر إرهاب إسرائيل وهجماتها وتعدياتها على الأحياء المدنية والأبنية الطبية والتجاوزات التي ترفضها جميع الأعراف الدولية، ولعل أبرز أسماء تلك الأصوات من النجوم العالميين والمؤثرين، البريطانية «فانيسا ريدخريف» التي اعتبرت أن الصهاينة سفاحون، وأيضاً «سوزان سارندون» التي عارضت الغزو الأميركي للعراق 2003 ووصفت إسرائيل بدولة الاحتلال وأفادت في كثير من اللقاءات بأن ما تقوم به إسرائيل عملية تطهير عرقي وهو ما لم يرق لداعمي الصهيونية الذين أوعزوا بقطع أي علاقات معها، ومن بين هؤلاء أيضاً بطل المسلسل الشهير «صراع العروش» ليام كنغهام الذي كان له موقف واضح بعد اغتيال الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة على يد قناص إسرائيلي أثناء القيام بعملها.

فكان أنه بات يرفض أي تعاون مهني مع مؤسسة تدعم إسرائيل، ومن الأسماء أيضاً «جينا أورتيغا» التي نشرت صورة عبر حساباتها على مواقع التواصل، كُتب فيها: «كل العيون على رفح»، لتطلبت من متابعيها التبرع لحملة من أجل أطفال غزة، كما نشرت أيضاً صورة لعائلة فلسطينية سعيدة ضمن حديقة من الورود، معلقة: «تتناقش الجماهير حول وقف إطلاق النار في حين يستمر ذبح الآلاف والآلاف من الأطفال.. أين الإنسانية؟ ولم تتوقف الفتاة التي تبلغ من العمر 21 عن دعم القضية الفلسطينية غير آبهة بما سيترتب على ذلك من نتائج سلبية على مستقبلها المهني وقد كان من ذلك إقصاؤها من بطولة فيلم «Scream VII».

ومنهم أيضاً جون كوزاك الذي حوّل حساباته الرسمية على مواقع التواصل إلى منصات إعلامية تدين إسرائيل والحرب على غزة، وقد أطلق عليه لقب «أكبر كاره لليهود» من قبل داعمي إسرائيل، وقد ثبت منشوراً على صفحته الشخصية مع انتصاف شهر كانون الثاني الماضي جاء فيه: «100 يوم من المذبحة. حكومة جنوب أفريقيا تقدم قضية للمحكمة، على حين الولايات المتحدة لا ترى، هي ترى فقط دفاع الإسرائيليين. إذا لم تكن قد تحدثت علناً باسم الفلسطينيين بعد، فالآن هو الوقت الوحيد المهم. لا أحد سينسى، ولا يمكن لأحد أن يدعي الجهل».

وقد ذكرت «الوطن» في عدد سابق أبرز تلك الأسماء ومنها: مارك رافلو وجيسكا شاستاين ولينا هيدي وأنجلينا جولي وليام نيلسون وأوليفيا كولمان.

خلاصة

فعلى الرغم من النفوذ الكبير للأذرع الصهيونية وتجاوزاتها وبطشها إلا أنها لم تستطع طمس الحقيقة عن أعين الجيل الجديد الذي بات يعرف جيداً ما يحدث ولا يأبه لما سينجم عن رفضه الإيديولوجية الإسرائيلية من نتائج كارثية أو سلبية عليه وعلى مستقبله المهني.

فهل يمكن أن تقوم الشركات الإنتاجية التي تديرها أذرع إسرائيل بتغيير سياسة تعاطيها مع الحدث بعد أن كُشف دعمها المستميت للصهيونية؟

وهل يمكن أن تقف على الحياد وتقدم صورة موضوعية وحقيقية بعد أن وجدت أن كثير من نجوم العالم لا يكترثون لأموالهم في سبيل قول الحق؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن