ثقافة وفن

إهمال الموهبة في الواقع يلعب دوراً في إطفائها ونسيانها … عبد الكريم لـ«الوطن»: بعد رحيل الشعراء الكبار لم تنتج الساحة الشعرية شاعراً كبيراً

| عبد الحكيم مرزوق

للشاعر عبد الكريم يحيى عبد الكريم تجربة أدبية لافتة تمتد لعقود، بدأها في يفاعتة بكتابة الشعر، ثم وجد في داخله حاجة لكتابة شعر وقصص ومسرحيات للأطفال واليافعين كي يتمكن من محاورة أطفاله الصغار بلغة شعرية وقصصية راقية تلائم مرحلتهم العمرية التي يمرون بها، ثم تطورت المسألة لينطلق إلى كتابة رواية لم تنشر بعد وكانت حصيلته من الإنتاج الأدبي أكثر من عشر مجموعات شعرية للأطفال ورواية وحيدة.

هكذا وجدت نفسي شاعراً

• كيف وجد عبد الكريم يحيى عبد الكريم نفسه شاعراً؟

بدأت أزهار وعيي تتفتح على نوافذ الحياة في أواخر السبعينيات من القرن العشرين، وكنت أجد في نفسي حباً للشعر العربي، وكان لقصائد سليمان العيسى (التي درسناها في كتبنا المدرسية الأولى) صداها الجميل وأثرها الطيب في ذاتي، لما تحمله من كلمات بسيطة وخيال جميل وموسيقا عذبة، كل ذلك جعل الشعر يتسرب إلى أعماقي، إضافة إلى البيئة الشعبية التي نشأت فيها، وهي بيئة تحتفي بالموروث الشعبي من أشعار ومواويل وزغاريد وحكم وأمثال… إلخ، كل ذلك أدخلني وأنا في الخامسة عشرة من العمر دائرة الشعر، فكانت التجارب الأولى، وهي قصائد عمودية بسيطة، وراحت التجارب تزداد وتتعمق مع تفتح الوعي على شعر التفعيلة، ولاسيما قصائد بدر شاكر السياب ومحمود درويش ونزار قباني، فاتجهت إلى كتابة شعر التفعيلة، وهكذا وجدت نفسي شاعراً.

بدأت بالقصيدة العمودية

• بدأت شاعراً ثم قاصاً وروائياً وشاعراً للأطفال، كيف تفسر هذا التحول بالأجناس الأدبية خلال أكثر من أربعين عاماً؟

لي مع القلم صحبة خمسة وأربعين عاماً، بدأت شاعراً أكتب القصيدة العمودية ثم انتقلت كما قلت إلى شعر التفعيلة، وفي ضفاف عامي 2007 و2008 بعد أن صدرت لي ثلاث مجموعات شعرية، وجدت في الفن القصصي جاذباً لخلجات الإبداع في ذاتي، ولم تعد القصيدة تشبع رغبتي وتستوعب جميع أفكاري، فاتجهت إلى كتابة القصة القصيرة، وصدرت لي مجموعة قصصية عن اتحاد الكتاب العرب بعنوان: (الأصوات)، وقد وجدت المجموعة صدى طيباً لدى كتاب ونقاد أعتز بشهادتهم، ثم اتجهت إلى كتابة الرواية، لكنها لم تنشر بعد، وعندما بدأ أطفالي بالحبو في دروب الحياة راحوا يطلبون مني أن أكتب قصائد لهم، ووافق ذلك ميلاً لدي إلى كتابة أدب الأطفال، ووجدت في نفسي قدرة على الكتابة للأطفال واستيعاب شخصياتهم ومخاطبتهم بما يفهمونه ويحبونه ويكون قريباً منهم، وقد استفدت من أفكارهم الغضة في كتابة بعض قصص الأطفال وبعض مواضيع القصيدة الطفلية، وقد صدرت لي ثلاث مجموعات شعرية ومسرحية للأطفال عن وزارة الثقافة السورية، وصدرت لي مجموعة قصص للأطفال على تطبيق (جنى القراءة)، ولدي الآن مجموعة مخطوطات لا بأس بها في أدب الأطفال تتوزع بين قصص وروايات لليافعين وشعر ومسرحيات تنتظر النشر، لكن صعوبات النشر المعروفة هي ما يمنع وصولها إلى أيدي الصغار.

المبدع ابن بيئته وواقعه

• هل تعتقد أن الظروف المحيطة بـ(المبدع) تلعب دوراً في توجيه الموهبة نحو الشعر أو القصة أو غيرها من الفنون الإبداعية؟

لا شك في أن المبدع هو ابن بيئته وواقعه، شاء ذلك أم أبى، وتلعب ظروف مجتمعه وبيئته دوراً كبيراً في توجيه موهبته نحو لون إبداعي معين، بالإضافة طبعاً إلى ظروفه الذاتية وتكوينه الشخصي، هناك من يلائم الشعر لواعج نفسه فيبوح بما يتفاعل في داخله، وهناك من يتجه إلى فنون السرد من قصة ورواية أو إلى المسرح أو الرسم والموسيقا… إلخ، حيث تتفاعل كوامن الذات مع الواقع المحيط في توجيه الموهبة وصقلها وإظهارها إلى الوجود، ويمكن أن يحدث العكس تماماً، حيث يلعب إهمال الموهبة في الواقع المحيط دوراً مؤسفاً في إطفائها ونسيانها.

لم أهجر القصيدة العربية

• بدأت بكتابة القصيدة العمودية في مراحلك الأولى، أما زلت مصراً على هذا الاتجاه في الكتابة الشعرية؟

لم أهجر القصيدة العربية الأصيلة طوال مسيرتي الشعرية على الرغم من اندفاعي في شعر التفعيلة إلى أبعد مدى.. في محاولة التجديد والابتكار، وقد توصلت في مسيرة التجديد إلى إبداع إيقاعات شعرية جديدة، وتفعيلات شعرية جديدة، كما قمت بإبداع قصيدة الأشطر الثلاثة، وهي تجربة لم يسبقني إليها أحد.

بعد هذه المسيرة أتأمل في واقع الشعر العربي، فأرى النمطية الشديدة قد سيطرت على شعر التفعيلة، فعندما تقرأ كثيراً من القصائد تحس بأنك قد قرأت مثلها من قبل، وكذلك بعد أن دخلت الحداثة إلى القصيدة العمودية بدأنا نشعر بالنمطية تسيطر على القصيدة العمودية أيضاً، وابتعد الشعر عن المتلقي ليصبح خاصاً بنخبة المتلقين، وهم على الأغلب الكتاب والنقاد أنفسهم. أصبح الشعر بعيداً عن الجماهير، وبعد رحيل الشعراء الكبار (محمود درويش، نزار قباني، مظفر النواب… وسواهم) لم تنتج الساحة الشعرية شاعراً كبيراً قريباً من الجماهير المتعطشة للشعر الجميل والأصيل.

أصبح الشعر بجميع أشكاله أمام طريق مسدود، يغرق في النمطية والعزلة عن الناس.

وأرى للخروج من هذا المأزق أن نعود بالشعر إلى بدايته.. إلى غنائيته العذبة، وبساطته، وعفويته، علينا أن نسمع أشعاراً فصيحة توازي أشعار شعراء العامية (طلال حيدر، كريم العراقي، عمر الفرا، سعدو الديب، أحمد فؤاد نجم) ببساطتها وعفويتها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن