ثقافة وفن

للتغلب على ضغوط الحياة… خذ الوقت الكافي للعيش

| هبة اللـه الغلاييني

مؤلف هذا الكتاب هو (ستيفان جارنييه)، وهو كاتب وصحفي فرنسي، عمل في مجال هندسة الصوت وتصميم المواقع الإلكترونية والاستشارات المالية، بعدها كرس نفسه بالكامل لحياة مملوءة بالشغف، فاتجه إلى كتابة الروايات والمقالات والأغاني. قام بتأليف عدة أعمال حققت رواجاً كبيراً، ويعد هذا الكتاب من أشهر مؤلفاته، ومن الكتب الأكثر مبيعاً في العالم، وترجم إلى أكثر من ثلاثين لغة.

كثيراً ما تأتي علينا أيام لا نقوى فيها على الذهاب إلى العمل، أو تعلّم شيء جديد، أو الخوض في مشكلات هذا العالم أو الاكتراث بمستقبله. لا نرغب في أن تمزقنا مشكلاتنا الشخصية باستمرار. تلك المشكلات التي قد تتمثل في الإحساس بالذنب عند الاستحمام على سلامة كوكب الأرض، أو تأنيب الضمير عند عدم الاهتمام بالنظام الغذائي.

نود فقط الانعزال والانفصال عن كل هذه الأمور، ليوم واحد، لدقيقة فقط، لوقفة مع النفس.

يقول الكاتب: «لدي قط اسمه زيجي، راقبت لفترة تصرفاته، فوجدت أنه يعيش عالماً كبيراً وجميلاً. بل يعيش حياة أفضل منا جميعاً، فلماذا لا نتخذه قدوة؟ هذا ما سأقوم به في هذا الكتاب من خلال فك شفراته وتطلعاته وأسلوب حياته. كان بمنزلة كل شيء أمام عيني طوال هذه السنوات من دون أن أدرك ذلك حقاً»!

تفتننا القطط منذ فجر التاريخ، فنراقبها ونحاول فهمها. يوجد في القطط سحر عجيب، في تصرفاتها، وفي عاداتها، وفي قوتها، وفي مراوغاتها الصغيرة. سحر يجعلها تعيش في هدوء وسعادة.

تتسم القطط بالفطرة في العديد من الصفات التي يمكن أن نستفيد منها في حياتنا الشخصية والعملية.

إنها تتبع فلسفة خاصة في طريقة معيشتها، يمكن تلخيصها في بضع كلمات وهي: الأكل واللعب، والنوم، والاسترخاء، وفعل ما يحلو لها. تلك الكلمات ذات معنى كبير مقارنة بنا نحن البشر. كما للقطط أسلوب حياة يسمح لها بالعيش من دون ضغوط، ذلك لأن لها أولوية واحدة، رفاهيتها.

القط حر

الحرية، الحرية ثمينة، مَن منّا لا يحلم أن يعيش حياته بكل حرية؟ حر في الخروج والدخول، حر لفعل ما تريده فقط، حر في تصرفاتك، حر في تقلباتك، حر في تفكيرك! في كل شيء حر!

إنه أمر ثابت في القط، يعد كالفطرة الثانية. فجوهر حياته هو أن يكون حراً، ولا يكترث لشيء آخر.

لماذا لا نكون أحراراً مثله؟

القط له كاريزما

لا يحتاج القط إلى المواء أو القفز في أرجاء المكان، أو أن يتصرف بتكلف لكي يظهر بين الجميع. يمكننا أن نشعر بوجوده في لحظة دخوله إلى أي مكان، من دون الحاجة إلى افتعال جلبة. ذاك لأن له كاريزما، تضمن له أن يلاحظه الجميع وسط الحشود.

تجبرنا شخصيته وتقديره للأمور وحذره على الانتباه له في كل مرة يتجول بها في غرفة المعيشة. إنه الرقي يا سادة، هيبة عظيمة! مَن منّا لا يحلم بامتلاك تلك الجاذبية الكبيرة؟

يعرف القط كيف يفرض نفسه

يأخذ القط المساحة التي يستحقها دون أن يفرض نفسه على من يجاوره، لكنه لا يتسامح مع من يتعدى على هذه المساحة، وهكذا يفرض نفسه بهدوء. لا يلعب دور الرئيس، لكنه لا يقبل دور ضيف الشرف!

فلتعرفوا كيف تفرضون أنفسكم بهدوء، وأن تدفعوا عن مكانتكم مع أول محاولة تدخل. فأنتم تستحقون ما هو أفضل من لعب دور ضيف الشرف.

القط عجوز حكيم

يشبه القط في تصرفه الحذر الفيلسوف الهادئ، والعجوز الحكيم. ربما يكون ذلك مجرد انطباع! لكن إلى أي مدى يدهشنا أسلوب حياته؟ كيف لا يرهق نفسه بلا داع، وكيف يتأمل الكون من حوله من دون كلل؟

كلنا يحتاج إلى الحكمة، والحقيقة أن القط يهدينا تلك الحكمة. وإذا كان لديكم قط، فستكونون على دراية لهذا الأمر، تعرفون تلك اللحظة التي تكونون فيها فريسة للشكوك والأفكار التي تدور برأسكم ولا تستطيعون تجنبها، فتنظرون إليه، فيوجه نظره أيضاً نحوكم كما لو كان يقرأ أفكاركم، فيغمركم شعور عميق بأن القط على العكس منكم، يعلم بماذا تفكرون، أو بالأحرى كان يعلم ذلك منذ البداية!

القط حاسم في حكمه

إن شخصية القط مستقلة وفردية، وذلك لعدم ارتباطها بكائنات أخرى، أو بشر آخرين إلا باختيارها، لتجلس مستمتعة وبشكل طبيعي جداً عن «نظرة الآخرين» التي نوليها نحن البشر أهمية كبيرة غير محسوبة. هذه الحاجة للحب والتقدير، أو على الأقل القبول من الآخرين لا تهم القط كثيراً، فهو يظل على ما هو عليه! نظرته هو عن نفسه هي التي تهمه فقط!

لا يمكن للمرء أن يعيش لنفسه فقط، ليس هذا هو الهدف من الحياة. لكن أن تحاول التوازن بين تقدير الذات ونظرات الآخرين فإنها تميل في أغلب الأحيان إلى نتائج سيئة عوضا عن الاستقرار النفسي.

القط واثق بنفسه

هل سبق لكم أن رأيتم قطاً انطوائياً، أو غير واثق من نفسه؟ بكل تأكيد لا! إنه فخور، إنه الأفضل وهو يدرك ذلك.

تظهر الثقة بالنفس في القط على سبيل المثال عندما يأتي نحونا بطريقة تلقائية قائلا: «أنا أعلم أنك تحبني» وليس «هل ما زلت تحبني اليوم؟» وبالتالي فإن هذا اليقين الذي لديه هو جزء من هالته، وجاذبيته، وسحره، وجماله، ولذلك نحبه ببساطة.

القط يعرف كيف يستثمر الوقت للاستمتاع بالحياة

أن نستثمر الوقت للاستمتاع بالحياة ليس أن نقوم بملء كل لحظة في حياتنا ونحن منقادون بالشعور بالخوف من الموت قبل أن نرى كل شيء، وقبل أن نفعل كل شيء. أن تأخذ الوقت الكافي للعيش هو على العكس مما سبق أن تدرك قيمة كل لحظة تمر، وتأخذها في الاعتبار، وتتأقلم معها وتستمتع بها في كل جزء من الثانية.

هذا ما يفعله القط، والذي غالباً لا يفعل شيئاً للوهلة الأولى، وليس لديه أي فكرة عن الوقت (على الأقل بالمعنى الذي نفهمه)، أو الموت الذي ينتظره، والذي لم يتوقعها أبداً حتى اللحظة الأخيرة من حياته.

أن نستثمر الوقت هو أن نستفيد كلياً من حياتنا، لا أن يتراكم علينا جدول أعمال ومهام في كل ثانية، وأن نعيش عطلتنا باسترخاء ومتعة!

استرخ، تحرر، راقب… قم بتقليد القط، فلتشعر بقليل من الصفاء، كما لو كنت تعود إلى نفسك…

أنت تعرف القول المأثور:

«قد أخذت وقتاً في ولادتك، فلتأخذ وقتاً حتى الموت!»

افعل مثل القط: فلتتخذ وقتاً للاستمتاع.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن