ثقافة وفن

وتعبرنا الحروف والقصائد

| منال محمد يوسف

وتعبرنا القصائد من النبض الأول وحتى النبض الأخير، ونعبرُ إليها في كلّ زمن ونسألُ عن لغاتٍ قمريّة الدهشة، نسألُ عن قمر الحروف وإتمام وقتها الموزون، تعبرنا في ماهية الحلم ونكتبُ بعض وميضها فوق السطور، وهنا نقصد «سطور الجمال الفكريّ» وما أبهى الحروف التي تُكتبُ بها لغات النّور!

تعبرنا القصائد وما أجمل زهر ودّها! ما أجمل الفجر وصلاة الحروف عندما تكتب القصيدة وترسم حروفها بعظمة الشيء الذي نريده، وتكتبه بلغة الإبهام الوقتيّ، تكتبه بلغة الشيء المنطوق جمالاً.

الشيء الشاعري الذي يُحبّذ وجوده بين منطوق الكلام وبلاغته وبين قزحيّة الكلام المُقفّى وترجمان أوزانه.. وتعبرنا القصائد في مبتدأ الكلام وبوحه المخمليّ، بوحه الإعجازي.. وما أجمل أن تعبرنا حتى مُنتهى الكلام وجماله البليغ وإلى شوارد مجده البلاغي المنطوق وإن نطق شعراً، أو نطق حاله وكان موزون الضوء الشعريّ، موزون الرؤى الجميلة.

وتعبرنا القصائد حتى النطق البلاغيّ الصريح والمجازي الذي تُرام به الذوات الشاعرة «الذوات الناطقة شعراً.. الناطقة أدباً».

وما أجملها!

ما أجمل القصائد التي تعبرنا وتكتبنا بلا مُقدّمات تُذكر «تعبرنا» في ماهية الوقت الذي نجلس على شاطئيه، وفي ماهية الكلام أو الحلم الذي نسكن ونستكين إليه، تستكين إليه الحروف التي تُكتبُ بثنايا الرُّوح، تُكتبُ في إيماءة الشيء الجميل المنفعل بنا شعراً المنفعل بنا حكايات لا يموت فيها «زهر القصائد» وعطر الحروف، لا يموت جوهره البلاغيّ الذي يحملُ قضية ما ويُسطّرُ بين أبياته سجلاً تزهو به تواريخ الشعر. ربّما تزهو بحالاته المُشعة فكراً، وكأنها قبس من مشكاة الشعر وزيتونة قبسه المُتأصلة فينا فكراً وشعراً.

وتعبرنا القصائد وتبدو وكأنها لغات جميلة تزهرُ في أفق الكلام البلاغي، وتنشدُ ما أنشده المتنبي يوماً، ما أنشده وهو يتربع على بلاطات الشعر المقروء. هو «الشعر الذي نعشق العبور منه وإليه»، نعشق ماهية حروفه عندما تزهرُ بها شجون الحال أو الرُّوح الشاعرة، «الرُّوح التي تتكئ على أحرف القصيدة» ولا تملُّ فلسفات الالتقاء مع تصابي الجمل الشعريّة، وتتسامى إلى مراتب العُلا التي تبلغ إليها عند إتمام النطق الشعري، إتمامه بشيءٍ يحمل شجون الرُّوح الشعرية الهائمة.

ويُضيفُ عليها في سؤال التجلّي الشعري، يُضيفُ على بعضها ويرتّلها ترتيلاً، يرتّل تلك المقولات التي تقول «وتعبرنا القصيدة» تعبرنا في ماهية السؤال الملحاح. تعبرنا من خلال ذواتنا التي تشتاقُ إليها أسرار القصيدة وبوحها المشتكى، «بوح القصائد» وإن عبرت بنا.

وتعبرنا القصائد ويعبرنا السؤال حول جمالها المورود، حول أحقية الشيء المورود رسمه، حول ياسمين وقتها وبياض حروفها، وعطر الشجون، عطره وإن تناثر نور القصيدة على الدروب.

تعبرنا القصيدة وبقايا الشجن، تعبرنا حتى منتهى القول وبلاغته، حتى ناصيات الذكرى والتذكار.. تعبرنا من شهقة المحبة الأولى وحتى العزف الأخير.

حتى نور القصيدة وقمر الحروف الذي ينشدُ اكتمالاً، حتى نورها الذي يجب أن نُلقي السّلام عليه، نُلقيه على وقت الدهشة الذي يجب أن تُكتب به ويجب أن يكتمل قمر القصائد ونعبر إليها، نعبرُ إلى جوارحها أو جوارحنا، تعبرنا قافيات نكتبها بمحبرة الصبر، بمحبرة الشعر وما أجمله!

ما أجمل البوح في تجلّيات الوقت الشعري!

ما أجمل جماليّات القصيدة والقصائد عندما نعبرُ من خلالها، وما أجمل أن تتجسّد كل القصائد وتعبرُ بنا إلى عوالم مُتجددة.

تعبرنا القصائد ويكتملُ بها «قمر الحروف المنير»، تعبرنا بصدق المحبة وعظمة الإلهام، تعبرنا من النبض الأول وحتى الأخير.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن