السبيل الوحيد لإنهاء الحرب
| علي عدنان إبراهيم
تتدحرج الأحداث يومياً باتجاه حرب إسرائيلية جديدة على لبنان، أُجلت منذ بداية طوفان الأقصى، حيث كانت حكومة الاحتلال برئاسة بنيامين نتنياهو لا تزال مقتنعة أن اجتياحها لغزة سيحدث الفارق ويحمي ظهر الكيان ويأتي بالدعم المعنوي والمادي العسكري من الداخل والخارج لخوض الحرب مع حزب اللـه وإبعاده إلى ما وراء الليطاني حيث تنعم إسرائيل بالسلام دون متاعب تذكر، إلا أن هذا السيناريو انهار حرفياً على رأس نتنياهو بعد الصمود الأسطوري الذي أبدته المقاومة في غزة بمساندةٍ خرافيةٍ من الشعب الذي ضحى بأكثر من 120 ألف شهيد وجريح ولا يزال يدعم المقاومة، وإشغالٍ شجاعٍ من المقاومين في الضفة الغربية وجنوب لبنان والعراق واليمن، وبات الخروج من هذا المأزق بالنسبة لنتنياهو ضرورةً ماسةً تتطلب إشعال حربٍ أخرى أشد فتكاً بدلاً من الخضوع ووقف الحرب في غزة بشكل كامل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ومن ثم تسليم نفسه للمحاسبة.
حزب اللـه انتقل بخفّة خلال الأيام الأخيرة من توجيه الضربات الميدانية إلى توجيه الضربات النفسية، وأوضح بعدة فيديوهات لا تتجاوز مدتها النصف ساعة أنه على استعدادٍ لأي حربٍ تشتعل مع إسرائيل ويعمل منذ زمن طويل انتظاراً لهذه اللحظة، الفيديوهات وما حملته من أسماء مناطق وإحداثيات دقيقة وما عنته من حرية تجول طيران الحزب المسير في سماء فلسطين المحتلة أثارت الرعب في نفوس الإسرائيليين الذين خرجوا بالآلاف إلى مقر إقامة نتنياهو مطالبين بوقف هذه الحرب، وهذا ليس رأيهم وحدهم، فالخبرة تلعب دورها دون شك، ومن قاد حرباً فاشلة ضد المقاومة اللبنانية يعلم تمام العلم إلى أين ستأخذه الحرب الجديدة ولو كانت بدعم أميركي، الدعم الذي أخفق في وقف الضربات اليمنية والعراقية طوال أشهر فما عساه يفعل مع حزب اللـه الذي يقف على بعد بضعة كيلومترات من حيفا وتل أبيب وحتى القدس المحتلة.
على مدى أكثر من عقدين وتحديداً منذ الخروج المذل لجيش الاحتلال من الجنوب اللبناني عام 2000 حاول الكيان إشعال الفتن توالياً داخل لبنان ودفع بعض الجهات لطعن المقاومة من الخلف وإشغالها بالمهاترات الداخلية واتهامها بتحويل لبنان إلى مزرعة خاصة بها وجره ليكون تابعاً لإيران، ليتطور هذا المخطط إلى خلق عدو مسلح في البلاد على شكل داعش والنصرة وأشباههما من المجموعات المتشددة بالتزامن مع الحرب في سورية، وكل هذه السيناريوهات والمحاولات باءت بالفشل، وبالتزامن واصل حزب اللـه بناء ترسانته من الأسلحة وتحصين نفسه من الداخل وجمع المعلومات الاستخبارية عن قدرات جيش الاحتلال ومواقعه وساحة الحرب المحتملة عموماً، الأمر الذي جعل فكرة اجتياح جنوب لبنان ضرباً من الجنون في الحرب الحالية، والتوقع بأن هذا الخطر سيزول محض خيال.
أما أصحاب الخبرة في الحرب ضد لبنان والقصد هنا رئيس حكومة الاحتلال الأسبق إبان تحرير جنوب لبنان عام 2000، إيهود باراك، فأكد في تصريحات منذ عدة أيام أن «نتنياهو رئيس حكومة فاشل ويسبب خراباً استراتيجياً ويجب تغييره بكل السبل»، مجدداً التأكيد أن «السبيل الوحيد لإعادة الأسرى هو وقف الحرب»، ووقف الحرب في حديث باراك يعني عدم فتح جبهة جديدة أشد إيلاماً في الشمال، وهذا الرأي يسانده صاحب الخبرة الآخر في الميدان اللبناني، والذي تمرغ أنف جيشه في تراب مارون الراس وعيتا الشعب صيف 2006، رئيس حكومة الاحتلال السابق إيهود أولمرت، الذي نصح نتنياهو مراراً بوقف الحرب مؤكداً أن مكسب الكيان سيكون أضعاف ما هو عليه في حال استمرارها حين قال في نيسان الماضي: «يجب وقف الحرب في غزة فوراً وإعادة المخطوفين وسيكون مكسب إسرائيل أكبر بكثير من الاستمرار فيها».
إلا أن من يحكم إسرائيل اليوم مجموعة من الحمقى والمتورطين في خسائر إستراتيجية لا يجدون مهرباً من المساءلة عليها سوى جر المنطقة لحرب كبرى وربما جر الكيان كله للزوال، وعلى هذا الأساس وصل وزير الحرب الصهيوني، يوآف غالانت، إلى واشنطن لتسول الدعم الأميركي قبل بدء الحرب على لبنان، وعلى الرغم من مساندة أعضاء الكونغرس إلا أن الجيش كان واضحاً بالرد حيث أكد رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، تشارلز كيو براون، صعوبة الأمر بالقول: «أي هجوم إسرائيلي على لبنان قد يزيد مخاطر نشوب صراع أوسع.. وقد تنجر إيران والمتحالفون معها إلى الصراع إذا تعرض وجود حزب اللـه للتهديد»، واعترف الرجل بأن حزب اللـه يمتلك قدرات أكبر من حماس، وأن إيران تميل إلى تقديم دعم أكبر له، مقراً بعجز بلاده عن دعم إسرائيل بالطريقة نفسها التي فعلتها في نيسان الماضي عند صد الهجوم الجوي الإيراني الذي أتى رداً على قصف مبنى القنصلية في دمشق.
وعطفاً على هذه التصريحات الصادمة من رأس هرم القيادة العسكرية الأميركية، أفصحت «القناة 12» الإسرائيلية بأن المسؤولين الإسرائيليين ناشدوا واشنطن الحصول على أسلحة لضمان الجاهزية للتحرك في لبنان، مهددة بأن إسرائيل قد تحتاج إلى استخدام أسلحة لم تستخدمها من قبل لتتمكن من وقف إطلاق النار من لبنان دون الإفصاح عن ماهية هذه الأسلحة التي يُستبعد أن تكون نووية تكتيكية عند الأخذ بعين الاعتبار محاذاة جنوب لبنان لشمال فلسطين المحتلة وما قد يسببه استخدام أسلحة كهذه من انتشار إشعاعي مميت في المنطقة، إضافة إلى أن استخدام أسلحة كهذه قد يفتح باب الحرب العالمية على مصراعيه، أما ما دون ذلك من أسلحة فقد استخدمت سابقاً في غزة والنتيجة تدمير للبناء وفتك بالمدنيين لا إنهاء للمقاومة.
وعلى الرغم من الحرب النفسية التي يقودها كيان الاحتلال بواسطة أذرع إعلامية عالمية لإرباك اللبنانيين وإبعادهم عن المقاومة ودفعهم للغدر بها، كحديث صحيفة «تلغراف» البريطانية مؤخراً حول تخبئة صواريخ لحزب اللـه في مطار بيروت، أو الترويع السخيف الذي تمارسه بعض الدول ككندا بإعلان سحب مواطنيها فوراً من لبنان، وما أشيع عن هروب سفراء أو إغلاق سفارات، جميعها خطوات متوقعة والرد عليها جاء على لسان الأمين العام لحزب اللـه حسن نصر اللـه قبل أيام بمختصر القول: «حضرنا أنفسنا لأصعب الأيام والعدو يعرف جيداً ما ينتظره»، وبتأكيده: «إذا فرضت علينا الحرب فإن المقاومة ستقاتل بلا ضوابط ولا قواعد ولا أسقف»، وبالمقابل فإن المطلوب من نتنياهو لإنهاء كل هذا اعترافه الصريح بالفشل وانسحاب جيشه من غزة ووقف الحرب بشكل كامل واستعادة الأسرى والسماح بإعادة إعمار غزة وإنقاذ سكانها من المجاعة، وهذا سيكون حتماً السبيل الوحيد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في إسرائيل.