قضايا وآراء

هل بدأ نتنياهو يراجع آخر أوراقه الأميركية؟

| تحسين الحلبي

اضطر رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل يومين إلى ترضية أنصاره بإجراء مقابلة مع «القناة 14» العبرية التي أصبحت الناطق باسم كل سياساته والمدافع الأكبر عن مذابحه في برامجها المتشددة الشعبوية التي يعدها إعلاميون وعسكريون دأبوا على الدفاع عن جرائمه، وفي تلك المقابلة ترى المحللة السياسية آنا بارسكي في صحيفة «معاريف» في 24 حزيران الجاري أن «نتنياهو أراد عرض بعض الرسائل السياسية الواضحة في تلك المقابلة برغم أن أجوبته على الأسئلة لم تحمل جديداً وكان مختلفاً في إحدى رسائله عن وزير دفاعه يوآف غالانت الذي أطلق رسائل تهديد نارية للبنان والفلسطينيين، في حين كان نتنياهو على نقيضه ولم يطلق أي عبارة يهدد فيها لبنان أو الفلسطينيين، وكانت الرسالة السياسية البارزة في أجوبة نتنياهو موجهة لشركائه من أحزاب الائتلاف وهي أن حكومته قابلة للبقاء وليس للانفراط»، وفي واقع الأمر لاحظ الجميع أن موضوع الدعوة لتجنيد الشباب التابعين للأحزاب الدينية السلفية الذين يعفيهم الجيش من الخدمة العسكرية الإلزامية بسبب التزامهم بدراسة التوراة والتلمود كان قد دفع الحاخاميين من قادة هذه الأحزاب إلى التهديد بالخروج من الحكومة الائتلافية وإسقاطها إلا أن نتنياهو تمكن من إيجاد حل يؤجل دفع هذا الثمن، ولذلك أطلق رسالته من «القناة 14» لطمأنة هؤلاء الحاخاميين بأن الحكومة باقية وستحافظ على تعهداتها لهم بموضوع التجنيد، ولذلك يرى المحللون للأوضاع الحكومية الداخلية أن نتنياهو نجح في إنقاذ حكومته من السقوط وربما أطال عمرها حتى عام 2026 موعد الانتخابات الدورية في كل أربع سنوات، وتبين أن مصلحة الأحزاب الأساسية الخمسة التي تتشكل منها الحكومة بقيادة حزب الليكود هي في بقاء الحكومة، وتأييد 64 مقعداً لهم من 120 مقعداً لاستمرارها لا تزال فعالة ولم تتسبب بعض الأزمات الداخلية بخسارتها لهذه الأغلبية وإسقاطها في البرلمان برغم أن أغلبية ساحقة من جمهور المستوطنين يرفضون بقاءها ويطالبون بإسقاطها بسبب إخفاقها وهزيمتها أمام المقاومة الفلسطينية وعملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول 2023، ولذلك كان نتنياهو يشعر بالارتياح في مقابلته مع «القناة 14» لأنه سيبقى على رأس حكومة وجيش هزم في جبهتي قطاع غزة في الجنوب وجبهة جنوب لبنان في الشمال وهي سابقة أولى تقريباً في تاريخ الحكومات التي كانت تتعرض لهزيمة حربية ولا تقال أو تستقيل، فبعد هزيمة إسرائيل في حرب تشرين الأول 1973 سقطت حكومة غولدا مائير حين أعلنت عن استقالتها في نيسان 1974 بعد صدور نتائج التحقيق حول أسباب الهزيمة، وطالب المستوطنون بإقالة وزير الدفاع موشيه دايان وفي النهاية اختار حزب العمل الحاكم في ذلك الوقت إسحاق رابين بدلاً من مائير إلى أن عقدت الانتخابات البرلمانية بعد ثلاث سنوات عام 1977، وسقطت حكومة رابين وفاز مناحيم بيغين وحزب الليكود برئاسة الحكومة، وحين هزم بيغين في اجتياحه للبنان والحرب التي شنها على الجيش السوري وقوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية على الأراضي اللبنانية في عام 1982 قام بإعلان استقالته في شهر آب عام 1983 واعتزل إلى أن مات عام 1992، لكن رؤساء وزراء الكيان الإسرائيلي لم يقدم أحد بعد ذلك استقالته بسبب أي هزيمة، فقد تمسك ايهود اولميرت برئاسة الحكومة بعد هزيمته في حرب تموز عام 2006 على لبنان إلى أن سقط بانتخابات آذار عام 2009، وحل محله منذ ذلك الوقت نتنياهو المهزوم الجديد والمتمسك بالبقاء بالحكم، ويبدو أن نتنياهو يحاول الآن بموجب تحليل بارسكي في صحيفة «معاريف» التقليل من عبارات التهديد والوعود بتحقيق الانتصارات الحاسمة ضد الفلسطينيين وحزب اللـه والاستعاضة عنها بعبارات عامة مثل: «نحن على استعداد لكل شيء ونأمل بتحقيق النجاح أيضاً». ولا شك أن عبارات كهذه لن يدرك أنصار ومتابعو «القناة 14» المتشددون أبعادها، لكن ما يدور برأس نتنياهو قد يظهر قريباً بعد أن ضاقت حلقات مناوراته بين ميادين حربه ومذابحه وبين الثمن الباهظ الذي يدفعه بسببها في جبهته الداخلية وفي خسائر جنوده، كما يلاحظ الكثيرون أيضاً أن هوامش مناوراته على فرض ما يرغب على إدارة الرئيس الأميركي جو بايدين أخذت تضيق أيضاً وتفرض عليه الحذر الشديد من الذهاب بعيداً في تقديراته لردود فعلها حين تصبح إسرائيل عاجزة عن تأدية وظيفتها داخل الإستراتيجية الأميركية الشاملة.

نتنياهو ما زال يتذكر عبارة وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسينجر بأن إسرائيل ليس لديها سياسة خارجية مستقلة عن الولايات المتحدة بل سياسة داخلية فقط، فقد ظهر مصدر هذه العبارة في دراسة أعدها الكاتب الإسرائيلي ياغيل هانكين في مجلة «هاشيلواح» العبرية في عام 2017 بعنوان «ماذا يضمن وجودنا»؟ والمقصود هو استمرار تبني الولايات المتحدة بصفتها قوة عظمى لإسرائيل ومنها، وفي وقتنا هذا يظهر هذا الدور الأميركي بعد أن أصبحت حرب إسرائيل لإبادة شعب فلسطين عبئاً على الولايات المتحدة وسياستها الخارجية المعلنة أمام العالم والرأي العام، ويبدو أن هذا ما سوف يدركه نتنياهو قريباً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن