قضايا وآراء

خيارات الضرورة والربح والإلزام

| منذر عيد

الضرورة والربح والإلزام، ثلاثة أسباب عادة ما تقف وراء قيام أحد الأطراف المتحاربة هنا أو هناك للبدء بالحرب، بعيداً عن الدخول في تفاصيل حساب النتائج، واليوم التالي للحرب، لقناعته التامة أنه الرابح حكماً.

في تطورات أحداث العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وما يتعرض له جيش الاحتلال من إذلال على جبهة الشمال الفلسطيني المحتل في مواجهة المقاومة اللبنانية، وتحول المستوطنات هناك إلى مدن وقرى للأشباح، فإن الضرورة تشكل السبب الرئيس لذهاب رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى حرب واسعة في المنطقة، والقيام بعدوان واسع على لبنان، ليقينه أن جر المنطقة إلى حرب واسعة تشارك فيها أطراف دولية، قد تكون له بمنزلة السلم الذي سوف ينزله من على «شجرة غزة»، وتمكنه من فرض شروطه إذا ما جلس الجميع لاحقاً على طاولة مفاوضات التهدئة لوقف الحرب الواسعة، وبالتالي الذهاب لاحقاً لإعلان نصر أمام المجتمع الصهيوني ومنافسيه.

من المؤكد أنه في ظل تصاعد النيات الإسرائيلية بتوسيع الحرب في المنطقة، فإن دافع الضرورة لذهاب نتنياهو إلى تلك الحرب، سوف يكون وفق مبدأ «عليَّ وعلى أعدائي»، بمعنى أن ذاك الدافع سوف يكون خالياً من أي حسابات، لحجم الكارثة التي سوف تنتج عن ذلك، أو لحساب الربح والخسارة، وإنما سوف تكون الحرب لمجرد الحرب، لسبب بسيط وهو أن من أخفق في تحقيق «نصر كامل» ظل يتحدث عنه طوال تسعة أشهر من حرب مع قوى «المقاومة الفلسطينية» لا تملك أو تشكل في عددها وعتادها وخبراتها القتالية والاستخبارية سوى جزء بسيط مما تملكه المقاومة اللبنانية، يدرك هو ومن يدعمه أنه سوف يكون عاجزاً عن تحقيق ولو صورة نصر في مواجهة حزب الله، حيث تؤكد وقائع إسناده لغزة، وما يجري في أرض المواجهة أن حزب اللـه اليوم ليس هو من كان في 2006 أو قبل ذلك.

حماقة نتنياهو، وانحشاره في زاوية الهزيمة سواء عسكرياً في غزة، أو سياسياً على مستوى حكومته، جعلانا نذهب في احتمالية خيار «الضرورة»، إلا أن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد فقط، فنتنياهو بحاجة إلى غطاء يقيه ويلات حمم ونيران حزب الله، وهذا الأمر ليس متوافراً إلا في واشنطن، حيث يبحث هناك حالياً وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت تأمين الدعم الأميركي اللازم للانتقال إلى المرحلة الثالثة من العملية العسكرية في غزّة، وكذلك تغطية ما يتطلبه الوضع على الجبهة مع لبنان.

وجود غالانت في واشنطن، لا يعني بالضرورة موافقة الإدارة الأميركية على مخططات نتنياهو مباشرة، ولا يعني أن الرئيس الأميركي جو بايدن سوف يقوم بقرع طبول الحرب على لبنان من البيت الأبيض بل إن الأمر يبدو غير ذلك إذ إن جميع تصريحات المسؤولين في الإدارة الأميركية، والتي سبقت زيارة غالانت، كانت بخلاف ما تشتيه «سفن نتنياهو»، حيث قالت وزارة الدفاع الأميركية «البنتاجون»، إن جهودها تنصب على التوصل إلى حل دبلوماسي للتوترات على الحدود مع لبنان، الأمر الذي كرره وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن خلال لقائه غالانت وحضّ على تجنّب مزيد من التصعيد مع لبنان، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر إن بلينكن «شدّد على أهمية تجنب مزيد من التصعيد للنزاع والتوصل إلى حلّ دبلوماسي يتيح للعائلات الإسرائيلية واللبنانية العودة إلى منازلها».

بالعودة إلى «الضرورة والربح والإلزام»، فإن القيادة العسكرية الأميركية على ما يبدو كانت أكثر دقة وعقلانية في خيار الذهاب إلى حرب أوسع في المنطقة، وكانت أكثر دقة في حسابات خيار الربح، وهذا ما بدا جلياً في تصريح رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، تشارلز كيو براون، قبل يومين أثناء حضوره مؤتمراً لوزراء الحرب الأفارقة في بوتسوانا حيث قال: «أي هجومٍ عسكري إسرائيلي على لبنان سيواجه بردٍ إيراني»، وحذر من أن ذلك سيؤدي إلى حربٍ أوسع يمكن أن تعرّض القوات الأميركية في المنطقة إلى الخطر، مشدداً على أن الولايات المتحدة «لن تكون قادرة على الأرجح على مساعدة إسرائيل في الدفاع عن نفسها في حرب أوسع نطاقاً، كما ساعدتها في التصدي لوابل الصواريخ والمُسيّرات الإيرانية في نيسان الماضي».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن