السياسة الأميركية أمام حقائق المؤامرة المعدة منذ عام 2007
| تحسين الحلبي
حين يكشف كتاب ومختصون بالوثائق عن أدلة على إعداد الإدارة الأميركية وإسرائيل خططاً ضد هذه الدولة أو تلك ينبري بعض المدافعين عن السياسة الأميركية أو بعض المعارضين والمعادين لسياسة الدولة التي تستهدفها واشنطن بهذه الخطط ويصفون هذه الأدلة «بنظرية المؤامرة» ويروجون للاستخفاف بها… وفي هذا الإطار تندرج بعض الأحداث الكبيرة في العراق ولبنان وضد سورية ضمن (نظرية المؤامرة) عند حلفاء واشنطن ووسائلها الإعلامية من أجل بلبلة أفكار الجمهور وحجب الأسباب الحقيقية التي تدفع السياسة العدوانية الأميركية لاستهداف دول كثيرة مناهضة لها، والتدخل بشؤون دول صديقة لتثبيت مصالحها الاستراتيجية فيها.
لكن الكاتب السياسي الأميركي الذي أعد كتباً موثقة بمعلوماتها عن السياسة الأميركية وطريقة تخطيطها للعدوان (أندرو كوكبيرن) يكشف في تحليل نشره في مجلة (هاربرز) الإلكترونية كيف أعد (زبيغنيو برجينسكي) مستشار الأمن القومي الأميركي مع الرئيس كارتر خطة التدخل في أفغانستان عام (1979) قبل ستة أشهر من بدء العمليات العسكرية للمجموعات الإسلامية الأفغانية المتشددة ضد حكومة كابول قبل أن يتدخل الجيش السوفياتي بموجب اتفاقية الصداقة مع الحكومة الأفغانية.. ففي مقابلة أجرتها مجلة (لونوفيل أوبزيرفاتور) الفرنسية يقول برجينسكي مستذكراً ما أعده: «إن جيمي كارتر قام بالتوقيع على أول أمر سري لتقديم الدعم الفوري لجميع المناهضين لنظام الحكم الجديد في كابول».
ويضيف برجينسكي قائلاً: «كتبت عند ذلك ملاحظة للرئيس كارتر أوضح له فيها رأيي بأن هذا الدعم سوف يعقبه تدخل عسكري سوفياتي» لتبدأ عمليات استنزافه في أفغانستان… ويكشف (كوكبيرن) في مقالة أن (روبرت غيتس) كان رئيساً لوكالة المخابرات والمركزية في (1991) اطلع على تجنيد المسلمين العرب من دول كثيرة للقتال إلى جانب الأفغان المتشددين وتحولهم إلى منظمة (القاعدة) في بداية التسعينيات قال: «بحثنا عن طرق لزيادة تجنيدهم في هذه المنظمة الإسلامية المتشددة لتشكيل فيلق دولي منهم واستثماره» والمعروف أن كتلة الاتحاد السوفياتي لم تعد موجودة بعد عام (1991) وتحولت واشنطن إلى نظام عالمي تشكل فيه قطباً أوحد فسارعت في بداية التسعينيات إلى شن حرب الخليج (1991) والتحكم بمساراتها ونتائجها في منطقة الشرق الأوسط وبعد احتلال العراق عام (2003) انتقلت هي وتل أبيب إلى العمل في الساحة اللبنانية لضرب الوجود السوري وبناء شرق أوسط كبير في أعقاب اغتيال رفيق الحريري والاتهامات المعروفة ضد سورية لسحب جيشها من لبنان عام (2005)، بهدف الاستفراد بالمقاومة اللبنانية ونزع أسلحتها وهذا ما حمله عدوان إسرائيل في تموز (2006) على لبنان في عهد كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية التي اعتقدت أن إسرائيل ستحقق أهدافها.
وحين هزم العدوان وانتصرت المقاومة ولبنان وسورية وإيران واندحر الجيش الإسرائيلي كان من الطبيعي للإدارة الأميركية إعداد الخطط لمنع انتصار العراق في مقاومته للاحتلال الأميركي الأطلسي ولتدمير سورية والمقاومة اللبنانية لمحاصرة إيران وعزلها قبل أن يولد انتصار تموز (2006) انتصارات ومكاسب أخرى تعرض المصالح الأميركية- الصهيونية للخطر.
ويكشف (سايمور هيرش) صحفي التحقيقات الشهير في تقرير أعده عام 2007 ونشره في صحيفة (نيويوركر) تحت عنوان (إعادة الاتجاه) وهي العبارة التي استخدمها البيت الأبيض للاستراتيجية الموجهة ضد سورية وإيران واستخدمت لها كوندوليزا رايس عبارة: «المنطقة منقسمة بين دول سنية معتدلة وأخرى متطرفة هي سورية وإيران وحزب اللـه وأغلبها من الشيعة» وأضافت: «إن هذه الدول اختارت طريقها نحو زعزعة استقرارها»… ومنذ ذلك الوقت عملت إدارة بوش على سياسة احتواء «شيعة العراق» لكي لا تظهر الحرب ضدهم… ولا أحد يشك أن الرئيس أوباما الذي حل محل بوش الابن عام 2008 استند إلى هذه الخطة وكان أول دليل على الاستمرار في تنفيذها هو اختياره (القاهرة) في حزيران عام 2009 لإلقاء خطاب موجه للعالم الإسلامي من نظام (حسني مبارك) وكأنه يدعو حليفه (مبارك) إلى القيام بدور مركزي في الخطة الأميركية ضد طهران ودمشق وحزب اللـه.
وكان خطابه الأول قد ألقاه قبل شهرين أي في نيسان (2009) من منصة البرلمان التركي ووجهه للمسلمين دعماً لأردوغان وتأكيداً للاعتماد عليه هو وحسني مبارك في سياسته المقبلة… ولذلك سارعت واشنطن إلى احتواء أزمة مبارك في 25/1/2011 وفرضت عليه بعد تأكد سقوطه بتعيين رئيس مخابراته عمر سليمان نائباً للرئيس لكي يتولى الجيش والمخابرات إدارة الأزمة.. وما تزال المؤامرة الأميركية الصهيونية مستمرة رغم الهزائم التي تكبدتها في سورية ومع المقاومة اللبنانية وفي إيران والعراق ومصر في هذا الفصل الأول.