المؤامرة وتسطيح الذاكرة.. فهل يسد جنيف الثقوب..؟!
| عبد السلام حجاب
لم تكن الحقائق السياسية والميدانية، حتى تصبح يقينية لدى السوريين، بحاجة إلى طاولة جنيف3، لولا أن المؤامرة الكونية التي قادتها أميركا ورعت أجنداتها الإرهابية، حفرت ثقوباً عميقة سوداء، أين منها ثقب الأوزون في ذاكرة وممارسات من أطلقت عليهم اسم معارضات سورية اتخذت من التنظيمات الإرهابية، المسلحة وغير المسلحة أداة، والتلطي خلف ثقوب الذاكرة وسيلة لإخفاء عوراتها السياسية، ولم تتردد باستجداء التدخل الخارجي المسلح على حساب دماء السوريين وتاريخهم وحاضرهم ومستقبلهم.
ولعله، في حضرة جنيف 3 الذي بدأ شكلاً، الجمعة الفائت تحت مظلة دولية يدير شؤونها المبعوث الدولي دي ميستورا وفقاً لمبادئ فيينا وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، باعتباره طاولة حوار بين السوريين أنفسهم لتقرير مستقبلهم، فإنه يصبح مفيداً التذكير بجوانب من منهاج العمل السياسي بمراحله الثلاث للحل السياسي لما سمي الأزمة في سورية- الذي أعلنه الرئيس بشار الأسد مطلع العام 2013. انطلاقاً من مبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة وبيان جنيف الصادر بتاريخ 30 حزيران 2012 والتي تؤكد الحفاظ على سيادة الدول واستقلالها ووحدة وسلامة أراضيها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وإيماناً بضرورة الحوار بين أبناء سورية بقيادة سورية، ومن أجل رسم المستقبل السياسي لسورية الديمقراطية على أساس التعددية السياسية. وبغية خلق مناخ آمن ومستقر يستند إلى وقف كل أشكال العنف فقد حدد المنهاج برنامجاً بثلاث مراحل.
مرحلة أولى تحضيرية يتم فيها التزام جميع الدول والأطراف الإقليمية والدولية بوقف تمويل الجماعات المسلحة وإيوائها وتسليحها.
أما المرحلة الثانية، فهي الانتقالية التي تبدأ بعد الانتهاء من المرحلة التحضيرية حيث توجه الحكومة، أولاً، الدعوة لعقد مؤتمر حوار وطني شامل يهدف إلى صياغة ميثاق وطني يعرض على الاستفتاء الشعبي ويعتمد على بنود أبرزها.
أ- التمسك بسيادة سورية ووحدة وسلامة أراضيها وشعبها.
ب- رفض كل أشكال التدخل الخارجي في الشؤون السورية.
جـ- نبذ العنف والإرهاب بكل أشكاله.
د- رسم المستقبل السياسي لسورية الديمقراطية والاتفاق على النظام الدستوري والقضائي والملامح السياسية والاقتصادية. وتأكيد المساواة بين المواطنين بغض النظر عن العرق والدين والنوع البشري على أساس التعددية السياسية وسيادة القانون والتمسك بمدنية الدولة.
وفي ضوء الميثاق الوطني، تكلف الحكومة الموسعة بتشكيل جمعية تأسيسية لصياغة مشروع دستور جديد تجري في ظل أحكامه وقوانينه الانتخابات البرلمانية، حيث تبدأ بعدها المرحلة الثالثة بتشكيل حكومة جديدة وفقاً للدستور الجديد. كما يعقد مؤتمر المصالحة الوطنية بهدف عودة اللحمة بين المواطنين السوريين انطلاقاً من المفاهيم الأخلاقية والوطنية التي ميزت المواطن السوري.
رغم ذلك، فإنه لم يكن مفاجئاً ولا مستغرباً أن يخفي الذين انخرطوا في تفاصيل الثقوب السوداء للمؤامرة الكونية وأجندتها الإرهابية، وحملوا شروطاً لا تكشف عن فقدان الذاكرة والعطب السياسي والأخلاقي الذي أصابهم فحسب، بل جعلهم أيضاً يبحثون في جنيف عن عباءات مضللة لتغطية مصالح وأهداف أسيادهم مثل العثماني أردوغان وحكام بني سعود ومشيخة قطر. وتتعارض مع مبادئ جنيف 3، ناهيك عن أنها تتناقض مع مصالح السوريين وآمالهم بمستقبل سورية التي تفتح صدرها لجميع أبنائها الوطنيين وذهبت إلى جنيف 3 من أجل إطلاق عملية سياسية جوهرها محاربة الإرهاب، والقضاء عليه باعتباره العقبة الأساس أمام إرادة السوريين في تحقيق الأمن والاستقرار والسلام في سورية والمنطقة والعالم.
ولقد كشف الدكتور الجعفري رئيس الوفد السوري عن ذلك في لقائه مع دي ميستورا أن هناك جهات تطلق تسمية المعارضة المعتدلة على الإرهابيين وتدير حروباً بالوكالة على أرض سورية.
وهو ما نبه إليه نائب وزير الخارجية الإيرانية عبد اللهيان بقوله إن الإرهابيين الذين يرتدون أقنعة جديدة، يجب ألا يشاركوا بمحادثات جنيف السورية السورية.
وقد يكون من المؤكد أنه في هذا السياق بحث الوزير الروسي لافروف مع نظيره الأميركي هاتفياً. الأزمة في سورية وأعربا عن دعمهما للمحادثات السورية السورية في جنيف.
وليس بعيداً، أكد الرئيس الروسي بوتين أن مهمة روسيا في سورية تقتصر على مساعدة الشعب السوري والحكومة الشرعية في محاربة الإرهاب والقضاء على الإرهابيين في الأراضي السورية.
وكان الوزير لافروف أعلن في المؤتمر الصحفي السنوي للخارجية الروسية، أن مشاركة روسيا في محاربة الإرهاب أسهمت في تبني قرارات مهمة في مجلس الأمن الدولي مطالباً بتطبيق تلك القرارات.
مما لا شك فيه، فإن متغيرات كثيرة حدثت، وجرائم إرهابية كبيرة ارتكبت، للنيل من سورية والتأثير في صمودها جيشاً وشعباً. وجرت تحت جسر الأزمة في سورية طوال السنوات الخمس التي مرت، تهديدات عسكرية وإجراءات عقابية اقتصادية وحيدة الجانب وتدفقت سيول جارفة وشظايا نيران ملتهبة انخرط في صناعتها ودعم مصادرها دول استعمارية مثل فرنسا وبريطانيا وتركيا العثمانية وأشباه دول كنظامي بني سعود ومشيخة قطر. دفعت بآلاف الإرهابيين من مختلف أصقاع الأرض وقامت بتسليحهم وتغذيتهم بالمال والعقيدة الوهابية، ولكن من يراقب تطورات الوضع الراهن ميدانياً وسياسياً بات يدرك واقعاً يقينياً بأنهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة، ترجمتها في كواليس جنيف صور التمرد المهتز والعنتريات الصوتية الفارغة أمام الانتصارات التي يحققها الجيش العربي السوري في الميدان بدعم سياسي وميداني من الحلفاء والأصدقاء.
وليس مبالغة القول إن الرؤية السورية العميقة ودقة الخطوات التي تضمنها برنامج العمل السياسي المعلن منذ بداية عام 2013 أكدت أهمية واقعيتها السياسية المتمسكة بالحقوق الوطنية السياسية والسيادية للسوريين في وطنهم. ويمكن قراءة مفاعيلها في مبادئ اجتماعات فيينا ولقراري مجلس الأمن 2253 لمحاربة الإرهاب وتجفيف منابعه ومصادر تمويله و2254 القاضي بحق السوريين وحدهم في تقرير مستقبلهم بقيادة سورية من دون تدخل خارجي أو أجندات مفروضة.
لا جدال أن اختيار السوريين بقيادة الرئيس بشار الأسد محاربة الإرهاب حتى القضاء عليه والتصدي لسيناريوهات أصحابه وداعميه التدميرية، فضلاً عن تعزيز مساحة المصالحات الوطنية، يفتح الطريق واسعة لبناء سورية المتجددة التي لن يغيب عن مسار انتصارها الوطني منهاج العمل السياسي وإن لم يسدّ جنيف 3 ثقوب الذاكرة السوداء.