قضايا وآراء

واشنطن وخياراتها الضيقة في إنقاذ تل أبيب

| تحسين حلبي

بين فترة وأخرى وحسب حجم ومضاعفات الهزائم الإسرائيلية على يد المقاومة، تتعرض العلاقات الإسرائيلية– الأميركية لأزمات بين حكومة الكيان والإدارة الأميركية يحتل فيها موضوع طبيعة العلاقة بين الجانبين إشكالية معقدة، وهل حقاً كما يقول البعض: إن تل أبيب تتمتع بقدرة على تغيير سياسة خارجية أميركية لا تعجبها أو لا تتفق مع توجهاتها؟ ربما يمكن هنا أن نستمد أو نستخلص إجابة عن هذا الموضوع مما أوضحه زالمان شوفال الذي تم تعيينه سفيراً لتل أبيب في واشنطن من عام 1990 حتى عام 1993 ثم من عام 1998 حتى عام 2000 وكان قبل ذلك برتبة مقدم في جيش الاحتلال، ففي مقال نشره في 25 حزيران الجاري يقول شوفال: «إن النقاش حول بقاء إسرائيل دون حاجة للولايات المتحدة مفصول عن الواقع ولا يجب علينا تجاهل التغيرات التي تجري في الولايات المتحدة حول مواضيع كثيرة لها انعكاسات على مكانتها في العالم وعلى علاقتها الخارجية بما في ذلك علاقتها بإسرائيل».

ويذكر أن مركز هيرتسيليا الإسرائيلي للأبحاث كان قد عقد مؤتمره السنوي المعتاد في 25 حزيران الجاري وناقش مشاكل الكيان وكرس جلسة خاصة لموضوع العلاقات الأميركية – الإسرائيلية وكان عنوانها «هل يمكن لإسرائيل البقاء من دون الولايات المتحدة؟»، ويجيب شوفال: «لا يمكن بقاؤها من دون واشنطن وهذا ما يعتقده كل من يتابع تطورات العالم وهو ما تتصوره كل حكومات إسرائيل بما في ذلك حكومة بنيامين نتنياهو ولكن ليس كل وزرائه»، ويضيف شوفال: «إذا كانت العلاقات الإستراتيجية أو غيرها مع إسرائيل مهمة لواشنطن فهذا يجب ألا يدفعنا إلى الخلط لأن المواقف ليست متطابقة بينهما ولكل دولة مصالح لا تتشابك بالضرورة مع الدولة الأخرى»، ولذلك يحذر شوفال من مضاعفات سوء التقدير الذي تتعامل معه حكومة نتنياهو مع الإدارة الأميركية لأن أي خطأ كهذا سيؤدي إلى إضعاف إسرائيل وتحولها إلى عبء غير مجد وغير نافع نسبيا للمصلحة الإستراتيجية الأميركية.

وتخلت واشنطن، فيما مضى، عن حكومة جنوب إفريقيا العنصرية التي كان يمثلها البيض الأوروبيون في دولة جنوب إفريقيا برغم أن واشنطن وبريطانيا ساعدتا تلك الحكومة على امتلاك وإنتاج سلاح نووي، فقد فرض العالم على تلك الحكومة العنصرية البيضاء عزلة دولية ونزع الشرعية عنها وأصبح الدعم والتأييد اللذين حققتهما حركة التحرر الوطني الإفريقية بقيادة الزعيم الإفريقي نيلسون مانديلا هما العامل السائد عند حكومات كثيرة وعند الرأي العام العالمي لطرد المستوطنين الأوروبيين الذين نفذوا المذابح بأصحاب الأرض الأفارقة، ولذلك سحبت بريطانيا والولايات المتحدة تأييدهما للحكومة العنصرية في نهاية الثمانينات من القرن الماضي بفضل التطورات الكفاحية التي فرضتها المقاومة الإفريقية ضد الكيانات الاستيطانية الاستعمارية وكل من يدعمها، ومنذ نهاية سبعينيات القرن الماضي جندت المخابرات الأميركية وإداراتها المتعاقبة الشعب الأفغاني وحركاته المسلحة ضد الاتحاد السوفييتي في حرب طويلة دامت تسع سنوات إلى أن انسحبت الحكومة الأفغانية التي كانت موسكو تدعمها فسيطرت القوى الظلامية الأفغانية المتحالفة مع الولايات المتحدة على الحكم واستخدمت أقسى أشكال الدكتاتورية بدعم أميركي ضد الشعب الأفغاني طوال عشر سنوات، وفي النهاية قررت واشنطن احتلال أفغانستان بعد أن تبين لحكومتها دور في عملية التفجيرات الإرهابية في 11 أيلول 2001 وسلمت الحكم في أفغانستان لعملائها من السياسيين الأفغان، وبقيت تقدم الدعم الكامل للحكومة العميلة ضد القوى المسلحة الأفغانية التي استهدفت قوات الاحتلال الأميركية وأصبحت السياسة الأميركية تضع في حساباتها توظيف حكومة أفغانستان لمصالحها الإستراتيجية في تلك المنطقة على غرار توظيفها لإسرائيل، وحين تحولت حكومة أفغانستان العميلة لواشنطن إلى عبء ودون جدوى قرر الرئيس الأميركي جو بايدين سحب قواته منها والتخلي عن حكومتها العميلة في عام 2021 بعد عشرين عاماً من الاحتلال الأميركي الذي كانت مهمته حماية هذه الحكومة من السقوط.

بالمقابل عملت الولايات المتحدة منذ السابع من تشرين الأول 2023 وبداية عملية طوفان الأقصى، على تقديم كل أشكال الدعم السخي للكيان الإسرائيلي إلى حد مشاركة مسؤولين في وزارة الدفاع الأميركية في مجلس الحرب الإسرائيلي وتقديم الخطط والأسلحة الحديثة لإسرائيل للانتصار على المقاومة الفلسطينية واللبنانية، بل أرسلت حاملتي طائرات لمساعدة إسرائيل لردع محور المقاومة، ولم تستطع هي وجيش الاحتلال تحقيق أهدافهما، وفر من إسرائيل أكثر من 780 ألفا من المستوطنين في هجرة عكسية خلال أشهر بعد أن لاحظوا أن هذه الحرب الطويلة لم يعد لها جدوى أمام صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته البطولية وأن الجيش الإسرائيلي منهار ولم يعد يردع المقاومة برغم المذابح التي ارتكبها، والسؤال الآن هو: هل ستبقى واشنطن تراهن على استمرار وظيفة الكيان أو جدواه لها؟ أم إن العد التنازلي لهذه المراهنة بدأ يشق طريقه؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن