قضايا وآراء

نتنياهو وسياسة القفز على الحبال مع واشنطن

| محمد نادر العمري

لم تكن زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت إلى الولايات المتحدة الأميركية مجرد زيارة روتينية من مسؤول عسكري إسرائيلي لأبرز حلفاء الكيان، بل مثلت هذه الزيارة أهمية بالغة الدلالة في توقيتها ومضمونها، ولاسيما أنها تزامنت مع ثلاثة تطورات رئيسية بأبعادها المتعددة، هذه التطورات تمثلت بداية في التصعيد العسكري الذي تشهده الجبهة الشمالية للأراضي الفلسطينية المحتلة نتيجة تصاعد الأداء العسكري للمقاومة اللبنانية ممثلة بحزب اللـه، وتزايد احتمالات توسع الصراع في المنطقة بتوقيت لا يتواءم مع عقارب الساعة الانتخابية لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، أما التطور الثاني فإنه تجلى باستقالة نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي أندرو ميلر من منصبه تحت ذرائع عائلية، رغم أن عدة تقارير استقصائية بينت أن استقالة الأخير جاءت احتجاجاً على موقف إدارة بايدن من تطورات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ومن الاتهامات التي وجهتها إسرائيل للإدارة الأميركية ووزارة الخارجية التي تمثلها، عرقلة إرسال السلاح للكيان نتيجة إجراءات روتينية، على حين يتمثل العامل الثالث والأبرز في تزامن زيارة غالانت مع التصريحات المثيرة التي أطلقها رئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو من خلال تسجيل مصور تضمن تأكيده وجود خلاف مع الإدارة الأميركية حول تأخرها بتسليم الأسلحة وحجب بعضها عن الكيان، وهو ما أكده خلال اجتماع حكومته الأحد الماضي، رغم النصائح التي قدمها له مستشاروه بعدم إثارة ذلك بشكل موسع أو على وسائل الإعلام بقوله: «أقدر كثيراً دعم الرئيس جو بايدن والإدارة الأميركية لإسرائيل، معنوياً ومادياً، بوسائل الدفاع ووسائل الهجوم، لكن منذ نحو 4 أشهر كان هناك انخفاض كبير في إمدادات الأسلحة القادمة من الولايات المتحدة إلى إسرائيل، وعلى مدى أسابيع عديدة ناشدنا أصدقاءنا الأميركيين بتسريع الشحنات، وقد فعلنا ذلك مراراً».

هذه التطورات الثلاثة التي تزامنت مع زيارة غالانت لواشنطن، ولاسيما تأكيد نتنياهو على وجود خلاف مع الإدارة الأميركية حول تأخيرها وحجبها صفقة ذخائر لقنابل «مارك 84» التي تزن 907 كغ، و«مارك 83» التي تزن 453 كغ، و«مارك 82» التي تزن 228 كغ، لا يمكن قراءتها على أنها انعكاس لوجود خلاف بين الكيان والولايات المتحدة كشريكين وحليفين إستراتيجيين، بل في الحقيقة تعكس تضارب المصالح الشخصية بين رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس البيت البيضاوي ومرشح الديمقراطيين للانتخابات الرئاسية جو بايدن.

الاتهام الذي وجهه نتنياهو لإدارة بايدن رغم الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي المفرط الذي قدمته واشنطن لتل أبيب في عدوانها الأخير على قطاع غزة بعد عملية طوفان الأقصى، والذي كان آخر صور هذا الدعم توقيع إسرائيل صفقة لشراء 25 مقاتلة أميركية من طراز «إف 35» بقيمة 3 مليارات دولار، يتم تسديد القسم الأكبر منها من حجم المساعدات العسكرية المقدمة للكيان، علماً أن بايدن ذاته وقّع في نيسان الماضي حزمة مساعدات لإسرائيل بلغت 26,4 مليار دولار، من بينها 14 ملياراً كمساعدات عسكرية، يمكن إرجاع هذا الاتهام لعدة أهداف يسعى نتنياهو لتحقيقها في هذا التوقيت السياسي، ويتمثل أهم هذه الأهداف في:

أولاً- لا يمكن لأي مسؤول سياسي بمنصب وخبرة نتنياهو أن يلجأ نحو تصعيد الموقف تجاه أحد أبرز شركاء الكيان الإسرائيلي الإستراتيجيين بالتزامن مع إيفاد وزير دفاعه لهذه الدولة، ولكن ما يريده نتنياهو بالدرجة الأولى هو تخفيف حجم الضغوط عليه داخلياً سواء من مستوطني الشمال أم من بعض رموز المعارضة السياسية بعد تحميله مسؤولية تغيير قواعد الاشتباك والردع لمصلحة حزب الله، ومحاولته تحميل واشنطن من خلال تأخرها بإرسال شحنات الأسلحة والذخائر مسؤولية تأخير حسم معركة غزة واستعادة الأمن في مستوطنات شمال الأراضي المحتلة.

ثانياً- دفع اللوبي الصهيوني الموجود داخل الولايات المتحدة والتيارات المتحيزة لما يسمى بـ«إسرائيل» داخل الحزبين الديمقراطي والجمهوري لممارسة الضغط على إدارة بايدن لتقديم المزيد من الدعم للكيان الإسرائيلي، بل خوض معركة نيابة عنها في المنطقة من خلال استهداف باقي قوى محور المقاومة وفي مقدمتهم الجمهورية الإسلامية الإيرانية وحزب اللـه للحفاظ على ما يسمى بـ«أمن إسرائيل»، وهو ما عبر عنه صراحة وبشكل علني السيناتور الجمهوري الأميركي ليندسي غراهام بعد لقائه وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بقوله: «إنه سيعمل في الكونغرس على تسليم الأسلحة لإسرائيل، ولاسيما أن حزمة الأسلحة هذه حظيت بدعم أغلبية الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وعلينا إرسالها»، مؤكداً أنه يجب أن تمنح الولايات المتحدة إسرائيل كل ما تحتاجه للفوز في المعركة.

ثالثاً- سعي بنيامين نتنياهو من خلال خطواته التصعيدية هذه إلى تخفيف حجم الضغط الأميركي على الكيان للقبول بصفقة توقف العدوان على قطاع غزة وتجيز تنفيذ تبادل الأسرى من خلال صفقة يبحث بايدن عن استغلال مخرجاتها لتحقيق مآرب انتخابية، وهو ما برز في كلام نتنياهو في جلسة الكنيست، بقوله: «إن إسرائيل ملتزمة بالمقترح الذي تبناه الرئيس الأميركي، وبإعادة جميع الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة، الأحياء والأموات منهم، من دون استثناء»، بعد ساعات قليلة من إعلان ما يسمى «الجيش الإسرائيلي» عن اقتراب انتقاله للمرحلة الثالثة، وهو ما يعني سعي نتنياهو للتهرب من الضغوط الأميركية من خلال إبداء استعداده لإنجاز صفقة تحقق مكاسب مشتركة إسرائيلية أميركية من دون توقف آلة الحرب والعدوان، كما تطالب الفصائل الفلسطينية ومن خلفها جبهات المساندة والدعم بالقبول بذلك.

رابعاً- رغبة نتنياهو في قطع الطريق أمام الإدارة الأميركية من خلط الأوراق في المشهد السياسي الإسرائيلي بأدوات إسرائيلية، فمن المعلوم بأن العلاقة التي تجمع نتنياهو وغالانت ليست بالإيجابية بل يمكن وصفها بالسيئة، رغم أن كلا الشخصين يعتبر ذا مرجعية إيديولوجية وحزبية واحدة، حزب الليكود، إلا أن خلافهما يعود لما قبل بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، عندما أصدر نتنياهو في آذار العام الماضي قراراً بعزل غالانت من منصبه على إثر دعوة الأخير لنتنياهو بوقف ما عرف «بخطه الإصلاح القضائي»، قبل أن يتراجع عن قرار العزل هذا نتيجة خشية نتنياهو من حصول انشقاق داخل الليكود، الخلاف هذا استمر إلى ما بعد الحرب ضمن مجلس الحرب، إلا أن أبرز تعبيراته انكشف أثناء تصويت الكنيست بالأغلبية على القانون الذي دعمه نتنياهو والمتضمن «تمديد فترة إعفاء الحريدم من الخدمة العسكرية» والذي صوت ضده غالانت ما قد يجعله خلال مرحلتي التصويت الثانية والثالثة أمام خيار الإقالة أو الاستقالة، وبالتالي فإن هذا التوتر قد يشكل فرصة أمام الإدارة الأميركية في بحثها عن خيارات إسقاط نتنياهو وائتلافه اليميني المتطرف من السلطة عبر استقطاب رموز وشخصيات داخل الليكود لا تتفق مع مسارات نتنياهو، بعد إخفاق كل من بيني غانتس رئيس معسكر الدولة، وزعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد من تحقيق هذه المهمة.

نتنياهو الذي سيتوجه في الرابع والعشرين من الشهر المقبل لإلقاء خطاب أمام الكونغرس «كأول زعيم سياسي يفعل ذلك في التاريخ الأميركي»، وفق وصف الإعلام الأميركي، بناء على دعوة وجهت له من زعيم الجمهوريين ورئيس مجلس النواب مايك جونسون، تدرك إدارة البيت البيضاوي أن نتنياهو إلى جانب محاولته لاستجلاب المزيد من عطف ودعم الأميركيين للكيان، فإنه قد يصعّد خطابه ضد الرئيس بايدن انتقاماً من دور الأخير عام 2021 في دعم ائتلاف بينت-لابيد لإسقاط نتنياهو، ورغبة نتنياهو في عودة الرئيس السابق ومرشح الجمهوريين دونالد ترامب أملاً منه في توريط الأخير بمعركة أو حرب بالوكالة مع إيران، وحتى ذلك التاريخ وقبيل انتهاء زيارة غالانت هل تخضع إدارة بايدن لرغبات وطموحات نتنياهو لتفادي المزيد من مسار الانحدار؟

كاتب سوري

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن