من دفتر الوطن

من الخارق إلى المارق

| حسن م. يوسف

خلال نصف القرن الماضي حصل انزلاق تدريجي لشخصية البطل في الثقافة الشعبية الأميركية، فشخصية سوبرمان بدأت تفقد مثاليتها المفرطة وتقوم بممارسات سلبية حيناً وشريرة أحياناً.

بدأ في الأسبوع الثاني من نيسان الماضي في صالات السينما الأميركية والعالمية، عرض فيلم (حرب أهلية) للمخرج البريطاني أليكس سارلاند الذي يجسد فيه مخاوف الأميركيين من نشوب حرب أهلية في أميركا عقب الانتخابات الرئاسية في الخامس من كانون الأول القادم، وقد تمكنت من مشاهدة الفيلم، من خلال إحدى المنصات، ووجدت أنه يستحق أن أحدثكم عنه، وخاصة أن هاجس الحرب الأهلية حاضر بقوة في المشهد الأميركي.

ففي أحد استطلاعات الرأي قبل عامين، قال 43 بالمئة من الأميركيين إنهم يعتقدون أن «اندلاع حرب أهلية خلال العقد المقبل هو على الأقل محتمل إلى حد ما» جدير بالذكر أن فيلم (حرب أهلية) ليس هو أول عمل مرئي يعالج هذا الموضوع إذ سبق أن أنتجت عدة أفلام روائية ومسلسلات تلفزيونية لعل أهمها (الولايات المنقسمة الأميركية) و(سوبرمان ضد باتمان: فجر العدالة) و(كابتن أميركا: الحرب الأهلية) إلا أن توقيت عرض هذا الفيلم- الصادم بصرياً وفكرياً- جاء بمنزلة إنذار للأميركيين بما ينتظرهم فيما لو اختاروا سبيل الفوضى.

والحق أن التوجس من وقوع حرب في أميركا لا يقتصر على الفنانين بل يتعداهم إلى مختلف فئات المجتمع، ففي عام 2010 نشرت مجلة الطبيعة (Nature) العلمية، مساهمة للباحث بيتر تورشين، يتوقّع فيها اندلاع اضطرابات اجتماعية في الولايات المتحدة، كما نشرت صنداي تايمز تقريراً لسارة باكستر بعنوان «شبح الحرب الأهلية يطارد أميركا» وأعلنت خبيرة الأمن الدولي في جامعة كاليفورنيا (سان دييغو)، باربرا والتر في أحد لقاءاتها، أن «أميركا أقرب إلى الحرب الأهلية مما نعتقد».

عقب عرض فيلم (حرب أهلية) قال الكاتب الأميركي جون بليك: «نحن الآن في زمن تحتل فيه قصص إخفاق أميركا الخيال والثقافة الشعبية، إنها النقيض من قصص الأمل، التي اعتادها الأميركيون، من أجل توحيدهم في الأوقات الصعبة».

والأخطر من كل ما سبق هو تنبؤ رجل الأعمال الأميركي إيلون ماسك أواخر نيسان الماضي: «بنشوب حرب أهلية في الولايات المتحدة الأميركية ودول الغرب»، وجاءت تغريدة ماسك تعليقاً على قول البروفسور الكندي ديفيد سوزوكي، إن طريق «الانتحار الحضاري» الذي اختاره الغرب، مرتبط بـ«التدفق غير المنظم للمهاجرين، ما سيؤدي عاجلاً أم آجلاً إلى انتفاض سكان الدول الغربية، واندلاع حرب أهلية».

فيلم (حرب أهلية) من إنتاج شركة أفلام مستقلة لا يهيمن عليها اليهود وقد حقق الفيلم نجاحاً تجارياً إذ بلغت إيراداته داخل أميركا أكثر من ضعف تكاليفه.

يحاول أليكس سارلاند الذي كتب سيناريو الفيلم وأخرجه أن يهرب من التشابه بين شخصية الرئيس الأميركي في فيلمه وبين ترامب من خلال القول إن رئيس الفيلم اخترق الدستور واستولى على الرئاسة لولاية ثالثة وأمر بإطلاق النار من الأسلحة الثقيلة على المواطنين المعترضين، وترامب لم يفعل هذا بعد!

يتمحور الفيلم حول رحلة فريق يضم أربعة صحفيين من ثلاثة أجيال، ينطلقون من نيويورك نحو العاصمة واشنطن دي سي، لتصوير آخر لقاء مع الرئيس قبل الإطاحة به من المتمردين، ويصف الفيلم انهيار الأخلاق المترافق مع انهيار الدولار ويرصد تحول الجميع إلى وحوش عديمة الرحمة، فهو لا يبدي أي تعاطف مع أي طرف سوى الصحفيين، وينتهي الفيلم بمحاصرة البيت الأبيض، ومقتل الرئيس وموظفيه جميعاً.

أعترف أنني لست ممن سيحزنون على أميركا في حال انهيارها، لكن أخشى ما أخشاه أن تأخذ العالم برمته معها!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن