قضايا وآراء

مؤتمر هيرتسيليا واستنتاجات جنرالات جيش الاحتلال

| تحسين حلبي

يبدو أن إجماعاً بدأ يتبلور داخل الكيان الإسرائيلي بين قادة عسكريين من الصف الأول وآخرين متقاعدين وهو أن ما شهده الكيان في السابع من تشرين الأول 2023 حتى هذه اللحظة يعد أخطر ما وقع للكيان منذ تأسيسه عام 1948 وأخطر ما يهدد مصيره ووجوده، ويعترف رئيس الموساد، وهي منظمة التجسس والمهام السرية الخاصة، تامير باردو في مقابلة أجريت معه أثناء مشاركته في المؤتمر السنوي لمركز هيرتسيلسيا للدراسات الإستراتيجية الإسرائيلية الذي انعقد قبل أيام في مقابلة بالعبرية أن «ما تتعرض له إسرائيل الآن ليس حرباً تخوضها على عدة جبهات بل حرب تفوق في تأثيرها ما تقوم به عدة جبهات ضدها، ونحن نشهد أكبر أشكال التدهور الأمني في ظل بقاء المسؤولين عن هذه النتائج وفي مقدمهم رئيس مجلس الأمن القومي تسحيا هانيغبي في الحكم»، ويعترف قائد القوات المركزية سابقاً على جبهة شمال فلسطين المحتلة منذ عام 1948 الجنرال المتقاعد نوعام تيبون في المقابلة نفسها أن «حكومة بنيامين نتنياهو توظف الجيش من أجل بقائها بعد أن عجزت عن حسم الحرب وتحقيق أهدافها» وحذر من «مضاعفاتها حتى على العلاقات الأميركية الإسرائيلية وتدهورها»، ويبين المسؤول السابق في إدارة التخطيط السياسي في وزارة الدفاع الإسرائيلية الجنرال المتقاعد عاموس غيلعاد في المقابلة نفسها أيضاً أن «الرئيس جمال عبد الناصر أغلق مضائق تيران على البحر الأحمر أمام إسرائيل في أيار 1967 فأعدت إسرائيل حرباً شاملة على ثلاث جبهات ضد مصر وسورية والأردن في الخامس من حزيران 1967 وحققت أهدافها منها، على حين ها هي إسرائيل الآن ترى أن الحوثيين في اليمن يغلقون باب المندب في البحر الأحمر ويمنعون سفننا من العبور إلى الميناء الإسرائيلي في إيلات طوال تسعة أشهر ولا تستطيع إسرائيل إنهاء هذا الحصار».

ويقارن غيلعاد بين حرب تشرين الأول عام 1973 وحرب السابع من تشرين الأول عام 2023 فيرى أن «إسرائيل توصلت بعد أسابيع قليلة من اتفاقية وقف النار بينها وبين السادات إلى عقد مفاوضات معه للتوصل إلى حل، على حين تستمر حرب تشرين الأول 2023 تسعة أشهر ومن دون أن يحسمها الجيش الإسرائيلي أو يحقق أهدافها، بل أصبح الجيش في وضع يشبه الرهينة داخل قطاع غزة إذا لم يتم اتفاق على وقف النار وتبادل الأسرى»، ويضيف الجنرال تيبون إن «المطلوب هو إخراج الجيش من القطاع والتوصل إلى اتفاق يعيد الأسرى الإسرائيليين لأن المستوطنين قرب غلاف قطاع غزة يؤكدون أنهم لن يعودوا إلى مستوطناتهم من دون الأسرى حتى لو بقي اثنان منهم، ولا شك أن نتنياهو يتحمل كل المسؤولية وإذا لم يفعل ذلك فإننا سنواجه الفشل الأكبر».

وحول ما يزعمه نتنياهو بأن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدين أوقفت إرسال بعض أنواع الذخائر التي يحتاجها الجيش لتحقيق أهدافه في القطاع، ينفي باردو في المقابلة صحة هذا الزعم وقال: «إن واشنطن ترسل طائرات تحمل الذخائر والأسلحة لإسرائيل في كل يوم، وهي التي خصصت 14 ملياراً لمصلحة إسرائيل في أثناء هذه الحرب».

من الواضح أن كل هذه الذخائر والأسلحة لم تحقق النتائج التي تريد تحقيقها حكومة نتنياهو، فالشعب الفلسطيني رغم شهدائه الذين قاربوا أربعين ألفاً معظمهم من الأطفال والنساء، مازال صامداً فوق خرائب بيوته وترابه الوطني، ولا تزال المقاومة تتصاعد من عدة جبهات، ولم تهدأ من القطاع ومن الضفة الغربية ومن المقاومة اللبنانية في جنوب لبنان ومن أنصار اللـه في اليمن، وما زال عمقها على ساحة محور المقاومة يزداد دعماً لها من سورية إلى العراق إلى طهران طوال الأشهر التسعة، إلى حد جعل إدارة بايدن تسعى إلى فرض مبادرتها لوقف النار على نتنياهو مستخدمة كل أشكال الضغوط بعد أن أدركت أنها لن تستطيع الانخراط بحرب مباشرة تحقق أهدافها إلى جانب جيش الاحتلال ضد كل هذه الجبهات ومحاورها دفعة واحدة.

ولذلك ليس من المبالغة الاستنتاج بأن المقاومة ومحاورها بدأت تفرض هي الآن على واشنطن وتل أبيب معاً انتصارها الواضح أمام فقدان أهم عامل اعتمدت عليه تل أبيب لضمان وجودها وهو انخراط الجيش الأميركي علناً وبشكل مباشر فوق أرض الكيان لحماية وجوده، وهذا ما جعل معظم القادة العسكريين والسياسيين يطالبون نتنياهو بالتوقف عن استمرار حربه أمام الضعف الأميركي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن