هل تقوم الصحافة بتجديد نفسها بطريقة تكنولوجية بوساطة «البودكاست» ؟ … د. الشعراوي لـ«الوطن»: يتناول قضايا وموضوعات أوسع
| مصعب أيوب
مؤخراً وبعد أن أصبح بإمكان الجميع الولوج إلى مراكز المعلومات باستخدام الإنترنت لم يعد الإعلام حكراً على مؤسسة إعلامية محددة أو إعلامي أكاديمي أو باحث متخصص، وبات هذا الخيار متاحاً أمام الجميع، اليوم هناك ظاهرة شائعة بشكل ملحوظ عبر مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي وهو المدونة الصوتية المتعارف عليها «البودكاست» الذي يصنف على أنه بث صوتي ينتجه شخص ليس بالضرورة إعلامياً أو أكاديمياً، يقدم من خلاله محتوى صوتياً مصوراً يبث عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي أو منصات إلكترونية معينة، ويتنوع ذلك المحتوى بين الترفيهي والاجتماعي والحوارات الشخصية والتعليمية وما إلى ذلك، يستضيف فيه المحاور فناناً أو مخرجاً أو سياسياً أو رجل أعمال والكثير من المشهورين.
انتشار عربي
تزدهر مؤخراً ظاهرة إنتاج برامج البودكاست عربياً على نطاق ضيق، إلا أنها تلقى رواجاً غير مسبوق، ولعل الإقبال الشديد الذي تشهده يأتي مصدره من الحرية الكبيرة التي تتمتع بها هذه البرامج وكذلك المرونة التي يتمتع بها كلا الطرفين المتحاورين في البودكاست إذا ما قارنا ذلك بوسائل الإعلام التقليدية ولاسيما بعد أن واجه الأخير انتقادات واسعة، وهو ما لفت إليه رئيس قسم الإعلام الإلكتروني في كلية الإعلام بجامعة دمشق د. أحمد الشعراوي بأن الصحافة تجدد نفسها بطريقة تكنولوجية بوساطة البودكاست الذي يعد شكلاً جديداً من الأشكال الإعلامية التي فرضت نفسها بقوة في الآونة الأخيرة، وهو ما جاء استجابة لحالة قصور ونقص في جوانب عدة، وأيضاً هو تطور طبيعي لشكل إعلامي جديد يتناول مختلف القضايا بشكل وأسلوب حواري حديث في تقديم المعلومات بطريقة سلسة تتلافى أخطاء الوسائل السابقة، سواء كانت برامج حوارية إذاعية أم برامج تلفزيونية، وأشار الشعراوي إلى أن البودكاست يمتاز بالمرونة وسهولة الطرح والتخلص من بعض القيود التي فرضتها آلية العمل في الإذاعة والتلفزيون وبالتالي هو شكل مختلف وجديد وتطوري للأشكال التقليدية التي كانت سائدة في الإذاعة والتلفزيون.
سريع
لعل من أبرز مميزات البودكاست هو إمكانية الوصول إليه في الوقت الذي نريد في ظل سوء واقع التيار الكهربائي، مما يصعب على المتلقي النفاذ إلى شاشة التلفاز ومتابعة برامجه المفضلة، إضافة إلى غياب الصبغة الإعلانية عن تلك البرامج -حتى اللحظة- على خلاف ما يعرض على شاشات التلفاز.
كما أن البودكاست يبتعد عن الرسمية والتكلف والخطابة ويفسح المجال للتعاطي والحوار بصورة أكثر مرونة وأريحية لتعطي انطباعاً على أنها جلسة بين صديقين مقربين، وربما ما يزيد تميزها هو إمكانية الاستماع لها من دون النظر إليها من خلال استخدام حاسة السمع فقط وبالتالي يمكنك ممارسة الأعمال اليومية وشؤونك الخاصة من دون التقيد بما تستمع إليه.
مرونة وعفوية
بات البودكاست يشهد ازدياداً متسارعاً في الانتشار عالمياً وإن كان ذلك غير واضح بشكل جلي عربياً ولا يزال في بداياته، إلا أن هناك حالة من الاهتمام الحقيقي في هذه الصناعة في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي.
كما أنه يوفر باقة متنوعة من المحتوى للمتلقين مقارنة بما يقدمه الإعلام التقليدي، إضافة إلى أنه يوفر العفوية في التعاطي بين المقدم والضيف كما يتيح للمتلقي إرسال التعليقات والأسئلة ويشاركك في المحتوى بصورة كبيرة.
ليشدد الشعراوي على أن البودكاست يتناول قضايا وموضوعات أوسع مما يتم تناوله في الإعلام التقليدي ولاسيما أنه منفتح أكثر ومتخلص من مقص الرقيب ويركز على موضوعات آنية أكثر لأن الإعلام الإلكتروني يجب أن يقدم اليوم المعلومات الحديثة والمهمة التي يحتاجها الجمهور وهو ما يخلق منافسة شديدة وإيجابية وبالتالي هو تطور في عملية طرح المحتوى وتقديمه بشكل وأسلوب حديث.
منافس قوي
ترك البودكاست علامة واضحة في طريقة تعاطينا مع المحتوى الإعلامي والتفاعل معه وصناعته، وراح العديد من المحطات ووسائل الإعلام يفسح المجال لمحتوى البودكاست، علاوة على أن الكثير من الشركات والمؤسسات العامة والخاصة شرعت باللجوء للبودكاست من أجل التعريف بما تقدمه وما تنتجه وهذا يضعنا أمام إيمان حقيقي بأنه نوع أثبت نفسه بقوة في الوقت الذي لا يمكننا أن ننفي أفول عهد الإذاعة أو الراديو، فهو إلى اليوم وبرغم تعدد أشكال الضخ الإعلامي وتتطورها وتشعبها إلا أن له جماهيرية كبيرة وواسعة ولا يزال صامداً، وخصوصاً لدى مالكي السيارات في تنقلاتهم اليومية.
وعليه يقول د. الشعراوي: إن البودكاست يعد منافساً قوياً للبرامج الإذاعية بسبب تعدد المصادر وكثرة المواد المنتجة، ولاسيما أن البرامج الإذاعية بشكل عام تعاني ما تعانيه من نقص الإقبال الجماهيري وغياب التفاعلية وحول السبل التي من شأنها أن ترفع مستوى وفاعلية البودكاست يشرح الشعراوي أن هناك سبلاً كثيرة للمساعدة في تطوير البودكاست وأهمها الموضوع، فالموضوعات الجيدة تصنع مواد جيدة وبالتالي معالجة أفكار مهمة وقضايا محورية بعيداً عن الأفكار الغرائزية والصحافة الصفراء وصحافة الفضائح والمحتوى الهابط اللاأخلاقي، وعليه فيمكن تقديم مواد تهم الجمهور، وموضوع المنافسة بالطبع يحتم علينا ذلك.