اقتصادالأخبار البارزة

ياغي لـلزميلة «الاقتصادية»: الدعم بشكله الحالي يشكّل خطراً على الموازنة العامة للدولة … برنامج حكومي لتنظيم قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة لمعالجة اقتصاد الظل

| الوطن

أكد وزير المالية الدكتور كنان ياغي أن ملف الدعم هو أكثر ما يتم التركيز عليه في الفترة الحالية، نظراً لما لحق به من تبدلات في الخطط والسياسات، وصولاً لفكرة استبعاد فئات غير مستحقة للدعم لم تتجاوز الـ7 بالمئة حسب التقديرات الحكومية، منوهاً بأنه ما تزال الشريحة الكبرى من البطاقات الإلكترونية والبالغ 4.7 ملايين بطاقة تتلقى الدعم الحكومي بمختلف أشكاله، ولذلك فإن الحديث عن وجود وفورات مالية كبيرة ناتجة عن هذه الإجراء هو أمر غير دقيق بشكل كامل، لافتاً إلى صدور العديد من المراسيم والقرارات لتحسين مستوى المعيشة امتصت كل وفر مالي تم تحقيقه، ناهيك عن زيادة كلف الدعم الناتجة عن زيادة أسعار المواد المدعومة كالقمح والمحروقات وغيرها، وهذا ما منع إحداث تأثير للوفر المحقق.

وفي لقاء أجرته الزميلة «الاقتصادية» أوضح ياغي أن الدعم بشكله الحالي يشكل خطراً على الموازنة العامة للدولة، فكلفة ربطة الخبز اليوم تصل إلى 8500 ليرة، بسبب رفع سعر كيلو غرام القمح المستلم من الفلاح إلى 5500 ليرة، بينما وصل دعم الكهرباء إلى قرابة 17 ألف مليار وهي خارج الموازنة، معتبراً أن الخطأ الأكبر يتمثل بتوجيه الدعم للسلعة أي للجميع سواء كان مستحقاً أو غير مستحق، ولذلك يدور اليوم نقاش مفتوح بين الأكاديميين والإعلاميين وحزب البعث والدولة، للوصول إلى صيغة جديدة لتقديم الدعم بصيغة متفق عليها من جميع الأطراف في المجتمع.

لا رفع للدعم عن الصحة والتعليم

وأكد الوزير ياغي أن تحسين مستوى المعيشة هو من الأهداف الرئيسية للحكومة، وهو يتجاوز موضوع تحسين الرواتب والأجور لتضاف إليه قيمة الدعم الاجتماعي المقدم، والإنفاق على تحسين مستوى الخدمات الحكومية المقدمة «صحة، تعليم، تربية، نقل»، عبر رصدها الاعتمادات المالية اللازمة، فمثلاً تم رصد 3000 مليار ليرة في موازنة عام 2024 للقطاع الصحي فقط، نافياً وجود أي خطة لرفع الدعم عن القطاع الصحي كما يشاع، إذ تشكل الصحة العامة أولوية إلى جانب التربية والتعليم أيضاً، وذلك أسوة بالخبز الذي يعاني هدراً كبيراً لإبقائه ضمن السعر الحالي، على اعتبار أن السعر المنخفض يشجع على الهدر والاستخدامات الخاطئة كتحويله علفاً للمواشي دون الأخذ بالحسبان الصعوبات التي تعترض الحكومة لتأمين القمح مقابل إمكانية تقديمه بسعر يناسب المواطن ويخفف الهدر منه.

وانطلاقاً من ذلك، أوضح وزير المالية أن مفهوم الهدر لا يقتصر على الأفران، وإنما يمتد للقطاع الصحي، ما يجعل من فكرة توفير الخدمات الصحية للشرائح الهشة في المجتمع أفضل من تقديمها للجميع بغض النظر عن المستوى المادي للمواطن، معتبراً أن تحسين إيرادات المشافي سيحسن نوعية وجودة الخدمات في المشافي العامة إضافة إلى تحسين مستوى دخلها وكوادرها بشكل أفضل، متسائلاً: «لماذا لا يتم السعي إلى تحقيق التوازن المالي للوحدات الصحية من خلال إعادة النظر بأجور الخدمات الصحية المقدمة وتقسيمها لشرائح تتناسب الإمكانات المالية لطالب الخدمة الصحية حيث تقسم إلى قسم مجاني وآخر بأجر التكلفة وآخر مأجور مع ربح بسيط؟ الأمر الذي سينعكس بشكل إيجابي على هذه الوحدات وخدماتها المقدمة.

دراسة للتعويضات

ومن جهة أخرى، لم ينفِ أو يؤكد الوزير ياغي وجود زيادة رواتب وأجور جديدة، تاركاً الأمر رهن الوفر المالي المتحقق والظروف الاقتصادية التي يمر بها البلد، ولكن هناك دراسة لدى الحكومة لمراجعة قيمة التعويضات الممنوحة للعاملين في الدولة، والتي يقصد بها متممات الراتب، وذلك من خلال إضافة فئات جديدة ودراسة رفع قيمة تلك التعويضات، كما هو حال فتح السقوف للرواتب.

وبالانتقال إلى ملف آخر يتعلق بالصناعيين وتهيئة المناخ للمستثمرين الراغبين بالعودة إلى سورية، قال ياغي: «وسط شكاوى كثيرة يقدمها الصناعيون في الداخل عن صعوبة العمل، نجد في الطرف الآخر وجود نشاط صناعي كبير وخاصة في المدن والمناطق الصناعية التي توليها الحكومة كل اهتمام»، معتبراً أن تحسن المناخ الاستثماري وخاصة بعد صدور قانون الاستثمار رقم 18 لعام 2021 وتعديلاته والذي أعطى محفزات ضريبية وجمركية للمستثمرين، كان له أثر إيجابي في القطاع الصناعي، بدليل تفوق الصادرات الصناعية على الصادرات الزراعية منذ عام 2023، إذ بلغت حصة الصادرات الصناعية 55 بالمئة من إجمالي الصادرات، في حين بلغت حصة الصادرات الزراعة 22 بالمئة، إضافة إلى تزايد عدد المنشآت الصناعية العاملة في المدن الصناعية بشكل كبير، فمثلاً ارتفع عدد المنشآت العاملة في مدينة الشيخ نجار من 50 منشأة في عام 2016 إلى أكثر من 1000 منشأة في عام 2024 ويمكن القياس على ذلك في باقي المدن والمناطق الصناعية.

وأكد وجود رغبة لدى العديد من الصناعيين السوريين العاملين في الخارج مثل مصر، بإعادة تأهيل منشآتهم الصناعية في سورية، وذلك من خلال اللقاء الذي جمعهم به في القاهرة بداية الشهر الجاري.

إصلاح ضريبي مرتقب

ومن ناحية النظام الضريبي الذي لم يعد له وجود في العالم، أكد ياغي أن وزارة المالية تتجه بخطوات محددة ومترابطة نحو إصلاحه من خلال تعديلات جذرية قائمة على الانتقال بشكل مدروس وموثوق إلى الضريبة على القيمة المضافة والضريبة الموحدة على الدخل، مشيراً إلى أن الوزارة أنجزت المسودة الأولى لمشروع قانون الضريبة على القيمة المضافة عن طريق لجنة فنية متخصصة، ومن المخطط أن يكون نافذاً مع بداية عام 2025، وقد تم إرسال نسخة منه إلى اتحادات غرف التجارة والصناعة والسياحة والزراعة ونقابة المهن المالية والمحاسبية وجمعية المحاسبين القانونية ليبدأ نقاش هذه المسودة معهم مع نهاية هذا الشهر، وتترافق هذه الخطوة مع استلام الإدارة الضريبية بنهاية حزيران للبرمجية الخاصة بالفوترة الإلكترونية.

تضاعف الإيرادات الجمركية

وبالانتقال إلى الأسواق وحالة الرعب التي تشكلها دوريات الجمارك للكثير من الفعاليات الاقتصادية، بالوقت الذي كان فيه مطالب بمنع تلك الدوريات من دخول الأسواق والاكتفاء بمراقبة الحدود والطرق العامة، أوضح الوزير أنه بالاستناد إلى القانون النافذ الذي يَسمح للجمارك بمكافحة التهريب على مساحة الوطن في الداخل والخارج، فإن نشاطها يعد قانونياً لا لبس فيه، ولضبط ذلك تقتضي التعليمات عدم دخول الدوريات الجمركية لأي مكان «منشأة، مستودع، محل..»، من دون أمر تحرٍ صادر عن مدير الجمارك أو آمر الضابطة أو المفوض بذلك، وعدم السماح للدوريات بدخول أي منشأة من دون وجود مندوب ممثل عن الجهة التابعة لها كغرف الصناعة والتجارة أو النقابات.

وأردف: إن إدارة الجمارك قامت بالعديد من الإجراءات التقنية بهدف زيادة دقة الإجراءات والحد من الأخطاء والتجاوزات، وقد شملت هذه الإجراءات تنظيم ومراقبة البيانات الجمركية من حيث المستندات والنوع والقيمة، وأتمتة عمل مستودعات البضائع المحجوزة، وتطوير نظام الإدخال المؤقت للسيارات وغيرها، كما تم التشدد في العقوبات المفروضة بحق العناصر غير المنضبطة والمقصرة وتأمين بدائل لهم وفرض العقوبة المناسبة بحقهم، وقد انعكست هذه الإجراءات على العمل الجمركي من خلال تضاعف الإيرادات الجمركية، حيث ارتفعت من 362 مليار ليرة في العام 2020، إلى 2600 مليار في العام 2023.

اقتصاد الظل

وفيما يخص أنشطة اقتصاد الظل التي باتت تشكل جزءاً لا يستهان به من الاقتصاد السوري، أكد الوزير ياغي ضرورة فرض الرقابة الحكومية على منتجاته، وخاصة الرقابة الصحية والطبية التي تمس معايير السلامة العامة في المجتمع، كما يجب إعادة النظر بالإطار التشريعي الناظم لممارسة الأعمال في سورية، من ناحية سهولة الترخيص والوصول للتمويل وتأمين حوامل الطاقة والعمالة وغيرها. إضافة إلى منح محفزات ضريبية ومالية لترخيصها أولاً، كاشفاً عن وجود برنامج حكومي لتنظيم قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر يهدف إلى تطوير بيئة الأعمال الخاصة بهذا القطاع، والذي يُعد مدخلاً مهماً لمعالجة اقتصاد الظل في سورية.

تراجع بالعجز

وبالحديث عن السياسة التي تنتهجها الحكومة لتمويل العجز بالعجز، كشف ياغي أن عجز الموازنة العامة للدولة يشهد تراجعاً من 30 بالمئة في العام 2023 إلى 26 بالمئة من إجمالي اعتمادات الموازنة العامة للدولة، مؤكداً استمرار الجهود لتخفيضه تدريجياً وصولاً إلى العجز المستهدف بحدود الـ20 بالمئة كما كان قبل الحرب الإرهابية على سورية، موضحاً أنه نتيجة لغياب المصادر المالية الرئيسة للموازنة العامة للدولة «الصادرات النفطية» وتزايد حجم الدعم الحكومي وخاصة المحروقات، فإن وزارة المالية تضطر للاقتراض من المصرف المركزي لتأمين التمويل المطلوب، إلى جانب الاعتماد على الاقتراض الداخلي من القطاع المالي عن طريق إصدار سندات الخزينة، التي تعد إجراء صحياً باعتبارها أدوات مالية توفر التمويل ولا تسهم في زيادة الضغوط التضخمية.

وأكد ياغي ضرورة التفكير بضبط الإنفاق العام من جهة، والتفكير خارج الصندوق لزيادة الإيرادات الحكومية وسط تراجع الإنتاج، وغياب الإيرادات النفطية التي كانت تمثل ما لا يقل عن 25 بالمئة من الإيرادات العامة وبالقطع الأجنبي، إضافة إلى تراجع الإيرادات الاستثمارية التي كانت تشكل 30 بالمئة من الإيرادات، في حين لا تتجاوز اليوم 10 بالمئة منها.

ولمعالجة كل ذلك، هناك ثلاثة مسارات تعمل عليها الحكومة كشف عنها الوزير ياغي، أولها: تحسين العائدات من الضرائب والرسوم، تعزيز الفوائض من مؤسسات القطاع العام الاقتصادي، زيادة العائدات من استثمار أملاك الدولة التي تشكل نحو 90 ألف أصلاً، في حين لم تتجاوز إيراداتها الفعلية الـ15 ملياراً عام ٢٠٢٣، لذا يجب إدارة هذه الأصول بطريقة اقتصادية تحقق دخلاً مهماً للخزينة العامة، وبناء على ذلك تم فصل ملف إدارة الأصول بين وزارتي الزراعة والمالية بموجب القانون رقم 26 لعام ٢٠٢٣، حيث تعنى وزارة الزراعة باستثمار الأصول خارج المخططات التنظيمية ومنها الأراضي الزراعية، وتقوم وزارة المالية باستثمار الأصول المصادرة بموجب أحكام قضائية مكتسبة الدرجة القطعية داخل المخططات التنظيمية كالشركات والعقارات وغيرها، بهدف تعظيم العوائد المتحققة من استثمار هذه الأصول.

وللتخفيف من الضغوط التضخمية، أشار ياغي إلى ضرورة توجيه الاقتراض من المصرف المركزي لتمويل المشاريع الاستثمارية ضمن الموازنة العامة، الأمر الذي يعيد التوازن للأسعار من خلال زيادة عدد السلع والخدمات في الاقتصاد الوطني، وهو إجراء صحي لا يؤثر في نسبة التضخم على المديين المتوسط والطويل كما يظن البعض، لافتاً إلى أن الإنفاق الاستثماري يشكل اليوم 25 بالمئة من الموازنة العامة وستعمل الوزارة على زيادته بشكل تدريجي، لأن الإنتاج هو الحل الوحيد لحل مشاكل الاقتصاد السوري.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن