قضايا وآراء

إسناد روسي لـ«الرافعة» العراقية

| عبد المنعم علي عيسى

لا يمكن لفعل «الرافعة» العراقية، التي جهدت على مدار الشهرين المنصرمين في محاولاتها الرامية لإحداث خرق ما على طريق دمشق – أنقرة، أن تبرر ما ذهب إليه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم الـ28 من شهر حزيران المنصرم، ففي أعقاب خروجه من صلاة الجمعة الموافقة لهذا التاريخ الأخير وقف أردوغان في مقابل ثلة من الصحفيين ليدلي بتصريحات يمكن القول إنها كانت تمثل الذروة في مسار سبق لأنقرة أن عملت على سلوكه منذ مطلع العام 2022، ومن بين ما قاله أردوغان: «لا يوجد أي سبب لعدم إقامة علاقات دبلوماسية مع سورية»، و«لا يمكن أن يكون لدينا أبدا اهتمام، أو هدف، للتدخل في شؤون سورية الداخلية لأن الشعب السوري مجتمع نعيش معه كشعوب شقيقة»، قبيل أن تتصاعد وتيرة التصريحات وصولاً لقوله «سألتقي بالسيد الرئيس بشار الأسد»، والراجح هنا هو أن «كاسحة» من نوع أثقل هي التي تدخلت لإسناد دور «الرافعة» العراقية المتعثر بوضوح على الرغم من تصميم «مدير» هذه الأخيرة.

أيضاً من الصعب النظر إلى تلك التصريحات على أنها كانت تمثل «اليقين» الذي «يؤمن» به الرئيس التركي، لأن ذلك، فيما لو كان حقيقياً، وهو ليس كذلك، لكان بالإمكان الجزم بأن 80 بالمئة من الآلام والمآسي التي عاشها السوريون، ولا يزالون، على مدى ما يزيد على الأعوام الثلاثة عشر، ما كانوا ليعرفوها، خصوصاً لو قررت أنقرة، في حينها، ممارسة فعل ترميم الجراح المتولدة بفعل النيران التي كانت ستندلع حتماً بفعل العوامل الـ20 بالمئة المتبقية تلك التي لها جذورها الداخلية من جهة، وأخرى لها علاقة بالمحيطين الإقليمي والدولي من جهة أخرى، والراجح هو أن الفعل يمثل «استدارة كاملة» استدعى القيام بها إظهار كل هذي «الوداعة» التي سعى الرئيس التركي لتكون عنواناً لتصريحاته، ومردها يعود لحسابات تركية داخلية ثم لنظيرة لها إقليمية وهذي الأخيرة تمتد جل شرايينها إلى «رحم» دولي راحت مناخاته تنبئ بمخاضات قادمة، ولعل المثير للقلق فيها أن الملامح لا تبدو واضحة، بل ولا يمكن التخمين أو الترجيح فيها أقله على المدى المنظور.

قبيل تصريحات أردوغان سابقة الذكر بأربعة أيام أشار وزير خارجيته حقان فيدان إلى «أهمية توحيد سورية، حكومة ومعارضة، من أجل مكافحة الإرهاب والحرب ضد حزب العمال الكردستاني»، وأضاف: إن تركيا تريد من الحكومة السورية «استغلال حالة الهدوء ووقف إطلاق النار الحاصل» من أجل «حل المشكلات الدستورية» و«تحقيق السلام مع معارضيها»، وتصريحات فيدان آنفة الذكر تبرز بوضوح أن السياسة التركية المستقبلية تفترض قيام جبهة سورية عريضة قوامها الحكومة والمعارضة السوريتان في مواجهة التهديد الذي يمثله «حزب العمال الكردستاني» أقله من المنظور التركي، وهذا فيما لو حصل فإنه سيؤدي بالضرورة إلى كبح جماح «الإدارة الذاتية» التي أعلنت مطلع شهر حزيران عن تأجيل الانتخابات البلدية التي كانت تزمع إجراؤها يوم الـ11 من حزيران المنصرم، إلى وقت لاحق حدده بيانها الصادر بهذا الخصوص بشهر آب المقبل، حيث تشير التقديرات التركية إلى أن التأجيل في هذه الحالة سيتخذ طابع الإلغاء، أو على الأقل يذهب نحو تأجيل آخر لن يكون موعده قبيل شهر تشرين الثاني المقبل الذي سيشهد الانتخابات الرئاسية الأميركية التي قد تكون مفصلية للكيان الأميركي، ومفصلية أيضاً لمشروع «الإدارة الذاتية» الذي لن يتعدى عمره الـ24 ساعة بعد إعلان واشنطن عن سحب قواتها من الأراضي السورية، وذاك أمر مرجح فيما لو استطاع المرشح دونالد ترامب أن يكون هو الفائز بالسبق الرئاسي، ومن المؤكد هو أن هذا الرهان التركي صحيح، إذ لطالما كانت مواقف دمشق هنا هي الأساس في الوضعية التي سيتخذها مشروع «الإدارة الذاتية» ما بعد انحسار «الرداء» الأطلسي، و«فيتو» دمشق يبقى «بيضة القبان» في تحديد تلك الوضعية بدرجة لا تفوقها أي درجة أخرى.

من المبكر الآن التنبؤ بالتداعيات التي يمكن لها أن تنتج عن «حجرة» يوم الجمعة التي رمى بها أردوغان في بركة لم تكن راكدة أصلاً، فنظام هذا الأخير لا يزال هو الداعم الأكبر للمعارضة السورية عسكرياً وسياسياً، وقواته لا تزال تسيطر على ما يقرب من 10 بالمئة من الجغرافيا السورية، وعمليات بناء الثقة من جديد تحتاج إلى سلوكيات وممارسات وليس إلى منابر يجري استخدامها للتعبير عن حصول «انعطافة» حيناً و«استدارة» في حين آخر، والراجح هنا أن هذي الأخيرة، الحاصلة يوم الجمعة الفائت، كانت بفعل «الكاسحة» الروسية التي دفعت باتجاهها ثم عملت على إقناع دمشق بضرورة التعاطي مع الفعل «إيجابياً»، ولربما كان ذلك أهم ما احتوته جعبة المبعوث الروسي ألكسندر لافرنتييف الذي زار دمشق والتقى الرئيس الأسد فيها يوم الأربعاء، أي على مبعدة يومين من «صلاة» أردوغان التي أعقبها ما أعقبها.

كاتب سوري

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن