قضايا وآراء

«طوفان الأقصى» يولد أخطر الأزمات المستعصية في الكيان

| تحسين حلبي

ذكرت سجلات الموقع الإلكتروني لـ«المعهد الإسرائيلي للديمقراطية» في صفحته الإنكليزية والعبرية أن عدد اليهود من الجالية الحريدية السلفية المتدينة بلغ مليوناً و280 ألفاً أي 13.3 بالمئة من اليهود الموجودين في إسرائيل، وهؤلاء يتم إعفاؤهم من الخدمة في الجيش لأنهم نذروا أنفسهم لدراسة التوراة والشريعة اليهودية والتحول إلى حاخامين، علماً أن عددهم كان في عام 2009 لا يزيد على 750 ألفاً، وإضافة إلى عدم خدمتهم في الجيش يجري تخصيص مصاريف مالية فردية لهم من ميزانية الدولة توزعها أحزابهم عليهم دون أن يقدموا أي عمل إنتاجي في مرافق الدولة والاقتصاد، ومقابل هذه الامتيازات تتعهد أحزاب الحريديين بتأييد عدد أعضائها في «الكنيست» أي بالبرلمان، لأي حكومة ائتلافية تحتاج لعدد مقاعدهم البرلمانية في تشكيل الحكومة وقد بلغ عدد هؤلاء الأعضاء في البرلمان الراهن لانتخابات عام 2022 ثمانية عشر عضواً، 11 لحركة شاس و7 لحركة يهدوت التوراة، وبموجب هذا التأييد نالت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التي تشكلت في كانون الأول 2022 أغلبية من 64 مقعداً من 120، منهم 32 من الليكود و14 عضواً من حزبي إيتامار بن غفير وباتسليئيل سموتريتش، وتمكنت هذه الحكومة من الاستمرار بعدد المؤيدين لها ذاته حتى في ظروف هزيمة جيش الاحتلال على يد المقاومة الفلسطينية في عملية «طوفان الأقصى» ورغم معارضة كل الأحزاب الأخرى التي لم تستطع تجنيد أغلبية برلمانية لإسقاطها حتى هذه اللحظة، ويبدو أن احتمالات سقوطها بدأت تظهر في هذه الأوقات أكثر من أي وقت مضى لأسباب ولدتها عملية «طوفان الأقصى» التي كشفت بوساطة الحرب التي تشنها على الكيان من ثلاث جبهات أن جيش الاحتلال لا يملك العدد الكافي من القوة البشرية العسكرية لأن الشبان المنتمين لأحزاب الحريديم لا يخدمون في الجيش، وهذا ما ولد انقساماً صارخاً داخل المجتمع الاستيطاني وكذلك داخل صفوف الجيش، فطالبت أحزاب المعارضة بفرض التجنيد الإلزامي على جالية الحريديم وفجرت أزمة مزقت الجبهة الداخلية بعد أن رفع الحريديون شعار «نموت ولا نخدم بالجيش» تعبيراً عن تمسكهم برفض الخدمة العسكرية، فقررت المحكمة المركزية العليا في 25 حزيران الماضي بإجماع قضاتها التسعة كافة تجنيد الحريديين في صفوف الجيش وعدم إعفائهم، فأصبحت أحزابهم مطالبة باتخاذ موقف قد يؤدي إلى سقوط الحكومة إذا قررت تنفيذ قرار المحكمة الذي ترفضه الأحزاب الحريدية، وكان هذا القرار غير مسبوق بتاريخ الكيان وعلاقاته بالأحزاب الحريدية منذ عام 1949 ولذلك قال ميشكا بن ديفيد في صحيفة «معاريف» بتاريخ 30 حزيران الماضي إن «تاريخاً جديداً شق طريقه بين اليهود والإسرائيليين» بسبب قرار المحكمة العليا، وسيشكل العصر الثالث في تاريخ اليهود وسيجعل عالم التوراة يعود إلى الدرجة الثانية في الحياة الإسرائيلية المعاصرة وسيمنع عن الحريديين التمويل لتلاميذ التوراة»، ومن الواضح أن هذه الجالية لن تخضع لقرار المحكمة وهذا ما سوف يؤدي إلى اتساع الشرخ بين من يخدم في الجيش ومن يرفض الخدمة لأسباب توراتية لا يقر بها المستوطنون من العلمانيين اليهود، ويقول المحامي دورون تاوبمان في معاريف إن أكثر من 63 ألفاً من الشبان الحريديين يجب تجنيدهم هذا الشهر وأعرب عدد من قادة أحزاب المعارضة عن تأييدهم لهذا القرار لأنه سيفجر أزمة بين نتنياهو والحزبين الحريديين اللذين يدعمان حكومته ويمنحانها الأغلبية البرلمانية، وكانت حركة «جيل التغيير» الإسرائيلية قد طالبت وزير الدفاع بتنفيذ هذا القرار فوراً فرد الحاخامون بأن الشبان الحريديين لن يقبلوا بقرار كهذا وبدأ قادة الأحزاب العلمانية يحرضون قادة الحريديين بتوجيه اللوم لنتنياهو الذي لم يضع حلاً وسطاً لهذه الإشكالية، وطلبوا منهم سحب ثقة الأحزاب الحريدية بحكومة نتنياهو.

من الواضح أن عملية «طوفان الأقصى» زعزعت معظم الأعمدة التي يستند إليها الكيان الإسرائيلي في الجيش والأحزاب السياسية ومجتمع المستوطنين الذين تحولوا إلى الهجرة العكسية نحو أوطانهم في أوروبا ودون أن تتمكن الولايات المتحدة والغرب الاستعماري من إنقاذ مشروعها الاستعماري الاستيطاني الذي بات بسبب المقاومة والصمود وإرادة التحدي يلفظ أنفاسه في غرفة الإنعاش الأميركية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن