من دفتر الوطن

قطار العمر!

| عصام داري 

أشعر أن قوى شريرة تدفعني نحو الهاوية، وريحاً عاتية تحاول أن تقتلعني من جذوري، ويداً غريبة تحمل خنجرا مسموماً تحاول اغتيالي بطعنة نجلاء في الظهر.
هل هذا هو الكابوس الذي يتحدثون عنه، أم حقيقة أراها بالعين المجردة، وعلي الخضوع والخنوع ورفع الراية البيضاء؟.
لكن لسان حالي يرد فيقول: لن أهجر موقعي وأترك بساتيني للغربان والجراد، لن أتخلى عن لغتي وأبجديتي وأزاهيري المزروعة في تربة الوطن، والمروية بعطر الكون.. وماء الحياة.
سأظل في خندقي الذي اختارني قبل أن أختاره وأرتضيه، أرسم من حروفي واحات حب في الأرض الجدباء القاحلة وفيافي التحجر التي تحتل رؤوساً وأدمغة عصية على الدخول في العصر الإنساني.
سأتمرد على الغباء المستحكم بعقول أقلية تريد أن تصبح الأكثرية، ربما بقوة المال، أو السلاح، أو الفكر المتحجر الذي مات منذ آلاف السنين.
أعرف أنني لست وحيداً في الميدان، وأعرف أننا نحتاج إلى تشكيل جبهة قوية متراصة وحزب للحب والمحبة لطرد ذباب الحقد والبغضاء عنا مرة واحدة، وربما إلى الأبد.
سأكتب ذات صباح لحزن يسكن في المآقي، وابتسامة هربت من عالم التجهم والعبوس لتعلن ولادة الحياة كل صباح من رحم الموت والمعاناة والعذابات.
سأكتب لمن يحمل قلباً ناصع البياض يخفق بالحب والإيمان بقدرة الإنسان على اختراع أساليب جديدة تقتل الفراغ والملل والكآبة، وتنتصر للحياة والمحبة وكل المثل النبيلة التي كتبتها أجيال البشر ودافعت عنها من بدء الخليقة إلى يوم يرث فيه اللـه الأرض وما عليها.
أعترف أنني أهرب من أحزاني بالكتابة عن التفاؤل والأمل والحب، ولا أريد في الوقت نفسه الاعتراف بالهزيمة أمام هجمة القبح التي تجتاح كل شيء، وأولها النفوس المريضة بأوهام التسلط والفوقية والغرور الأجوف والتي تحتمي بأفكار بائدة حتى من قبل التاريخ نفسه.
سأكتب عن التفاؤل رغم كل سحب اليأس التي تغطي سماءنا.
وعن الحب رغم موجة الكراهية التي تحتل رؤوساً خالية من الأدمغة، وعن العيش تحت سماء واحدة، وأرض تتسع للجميع، وخيرات تكفي الجميع.
أتساءل دائماً: إذا كنا قادرين على صنع الفرح حتى من العدم، فلماذا نستدعي ونجتر الأحزان..؟ وإذا كان بمقدورنا أن نشعل الشموع.. فلماذا نفضل العيش في العتمة والترويج للظلمة واختيارها أسلوب حياة؟.
علينا أن ننحاز إلى العقل والقلب والمشاعر معاً، وأن ندرك أن العالم واسع، والخيارات كثيرة، والاحتماء بخيمة الحب أسهل من صنع الكراهية والبغضاء، ودرب المحبة معبّد بالأحاسيس والمشاعر الإنسانية الخلاّقة.. بعكس زواريب الحقد المزروعة بالأشواك والحجارة والألغام.
أرى أن نوراً خافتاً يلوح في البعيد القادم إلينا ولو بعد حين وأننا نسير نحو واحات من الحب والمحبة بعد أن قطعنا صحارى غطت مساحات شاسعة من الأرض والنفوس، لنعيد بناء ما هدمه الخارجون من ظلمات التاريخ، وقمقم الأحقاد.
في غياب العقل، يصبح المجنون حكيماً، والأبله مستشاراً، والمعتوه طبيباً نفسياً، فهل دخلنا في عصر الجنون، أم إننا بدأنا خطوتنا الأولى للخروج منه بأقل الخسائر، وإن كلفت المسيرة على الجمر ثمناً باهظاً؟.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن