ثقافة وفن

حوار الحق

| د. اسكندر لوقا 

في سياق العلاقات الإنسانية سواء على مستوى الأفراد أم على مستوى الدول، يلعب الحوار دوراً في الوصول إلى ما يصبو إليه هذا الطرف أو ذاك، ومع هذا كثيراً ما تبقى الحقيقة غائبة لأن أياً من الطرفين لا يملك التأكيد أنه الأكثر صدقاً والأكثر التزاماً بأخلاقيات الحوار، وفي هذا المضمار، يمكن القول بأن الحقيقة تبقى ضائعة إلى أن يأتي زمن ظهورها على سطح العلاقات التي تخص الأفراد أم المجتمعات.
في إطار العلاقات بين الأفراد قد لا يكون لضياع الحقيقة أثره البالغ في الإساءة إلى أحدهم، على عكس الأثر الذي يتركه مثل هذا الضياع من حيث علاقته باستمرار أو انقطاع الحوار بين الدول، وبذلك يزداد وضوحاً تأثير ضياع الحقيقة، لأن ما يصيب اثنين من أفراد هذا البلد أو ذاك غير ما يصيب مجموع الأفراد الذين يعيشون في رحابه.
الحوار، من هذه الناحية، مفيد أن يكون مسنده المنطق، وأن يكون النبع الذي يستقي منه المحاور العقل أولاً والموضوعية ثانياً هذا فضلاً عن مكونات الأخلاق والمثل العليا في تاريخ البشرية، وفي غير هذه الحالة تكون الصورة منقوصة، لأنها تعبر عن «أنا» الفرد لا عن «نحن» الجماعة، وبذلك لا تجد الحقيقة مكاناً لها بين المتحاورين أفراداً كانوا أم جماعات.
وفي الزمن الراهن، كما نرى، تزداد معادلة الحوار الذي يندرج تحت عنوان الحقيقة أين، وتزداد أهمية من حيث كونها مطلباً لخدمة الحقيقة، وخصوصاً في سياق العلاقات بين الدول، حيث كل منها يسعى إلى توظيف الحق إلى جانبه، وبذلك لابد أن تبقى الحقيقة غائبة بشكل أو بآخر، وتتضح هذه النقيصة في ظاهرة الادعاء بمن هو الأحق من سواه منطلقاً من نقطة امتلاكه القوة أو الثروة أو الموقع، ومع ضياع الحقيقة، يغيب الحق ذاته، وتبقى الكلمة الفصل، كما أشرت، تبقى حكماً للأقوى نفوذاً في العالم، وهذه هي مصيبة القرن الحادي والعشرين الذي بدأ بادعاء أنه سيكون قرناً أميركياً لا مفر من الاعتراف بذلك، بيد أن هذا الادعاء سقط في سياق التجربة كما شاهدنا منذ سنوات قليلة وإلى يومنا هذا، وسقط معه مفهوم الحوار المستند إلى القوة أو الثروة أو الموقع، لأنه فقد أحد أهم مكوناته وهو الصدق والموضوعية.
وهذا ما يذكرنا به الكاتب والمصلح وأحد مؤسسي الحركة الوطنية في مصر قاسم أمين «1863- 1908» عندما أشار إلى أن «كل حوار مفيد إذا كان الغرض منه إظهار الحق وخدمة الحقيقة». وهذا ما لا ولم يدركه أصحاب العقول المغلقة في الوقت الراهن ويصرون على أن تبقى عقولهم مغلقة إلى أمد غير محدود.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن