ثقافة وفن

التهميش وردُّ الفعل

| إسماعيل مروة

لا يتوقف النقاد والمتابعون عن ترديد عبارة فيها الكثير من الصوابية، وهي فكرة الرد ورد الفعل، وقد كتب المؤرخون المحدثون في أوروبا وأميركا بأن العنف من عناصر إسلامية في مختلف المراحل سببه الأساسي يتمثل بالفقر والإقصاء والتهميش، ففي كتاب من الأهمية بمكان، وإن كان عنوانه يحمل إيحاءات صادقة وصادمة، إلا أنه ظلمه (تفريخ بن لادن) الذي نقله إلى العربية بعلمية وموضوعية د. نايف الياسين، يقدم الكاتب دراسات توثيقية إحصائية معتمداً على ما تمّ نشرهُ حول العنف ضد المخرج كوخ، وما حدث في 11 أيلول وفي برلين ولندن وباريس، ومن الصفحات الأولى كان المؤلف علمياً للغاية، فهو لم يرد العنف الذي حدث إلى عنف شخصي أو ديني، وحين يدرس حالة المغربي الذي اغتال المخرج كوخ على دراجته، يبين أن المخرج أساء للإسلام، ولكن مجريات الأحداث تدل على أن حالة القتل كانت ردة فعل، ويبين الكاتب أن التقارير الأميركية أظهرت أن المليارات المسلمة التي زادت على ثلاثة تحوي ما يقارب 100 ألف حالة عنفية إرهابية، لكن الدوائر المعنية أرادت معالجة الأمر من خلال العنف والقسوة، وهذا بالضرورة سيؤدي إلى تضاعف أرقام الحالات العنفية داخل البلدان العربية والإسلامية أو خارجها، ويظهر الكاتب أن الإقصاء والتهميش هما اللذان ساعدا على تفريخ فكر بن لادن المعادي للحياة الغربية، وفي إشارات ذكية يظهر الكاتب الفراغ الروحي الذي يعيشه الشباب في الغرب، ومع أن الشباب العربي اندمج في المجتمع الغربي إلى حد ما، إلا أن الإقصاء والفقه والتهميش تدفع هؤلاء إلى ما سماه المغناطيس الإسلامي في إرواء الجانب الروحي لدى هؤلاء الشباب!

هناك نماذج عربية لا تحصى عمن اختار أن يحيا في الغرب، ولم يبد منه أي اعتراض على المجتمع الغربي، فما الذي يدفع الكثيرين اليوم والذين يزيدون على مئة ألف إلى العنف، وفعل ما فعل الشاب المغربي ابن السادسة والعشرين، وقبول الحكم المؤبد عليه، لأن هولندا لا تطبق حكم الإعدام، وحين سئل بعد الحكم عليه يقول المؤلف إنه لم يبد أي ندم على ما كان، ولم يكن آسفاً، وبأنه يمكن أن يعود إلى الفعل نفسه لو تمكّن.

هذه الحالة التي عرضها المؤلف اختارها لأنها كانت حادثاً إرهابياً بتفاصيله، ولكنه مع ذلك عرضها كما هي، فهذا الشاب عاش بعد مولده في أوروبا، وحاول العمل، وعمل، ولكنه عانى من المجتمع، وحين أصبح عاطلاً استقطبته الجماعات الدينية، ودخل فيها، والمكان موجود ومعروف لدى صناع القرار في هولندا.

وانتماء الكاتب لم يمنعه من الحديث عن الحوادث التي جرت بعد عملية الاغتيال في الشارع الهولندي، وما نال المسلمين ومصالحهم، ولا أظن كاتباً عربياً يمكن أن يكون منصفاً حين يشير بوضوح إلى أن مجمل ما جرى لا يدل على أن ردود أفعال الهولنديين مقتصرة على الحادثة، فجملة ما جرى ومساحته تدل على أن المجتمع في حالة غليان مما قبل حوادث هولندا وباريس ولندن، وحتى الحادي عشر من أيلول.

التطرف مشكلة المشاكل، والإرهاب لا يمكن تسويغه بحال من الأحوال، سواء داخل البلدان أم خارجها، ولكن الأسباب الرئيسية التي ترددها ونكتبها، الظلم الاجتماعي، الإقصاء، التهميش، العدوانية، وأشياء كثيرة كل شيء منها له علاقة بالبيئة التي حدث فيها.

فإذا كان الباحثون الغربيون يظهرون ومنذ عقود البيانات والإحصاءات التي تظهر عدم الرغبة بالتوجهات الأميركية، وبالتالي الأوروبية، فلماذا لم يتم العمل على تجاوزها بأقل الخسائر؟ بل لماذا صدرت القرارات المعنية في أميركا بمواجهة هذه الظاهرة بالقوة؟

هل هي محاولة لتحويل المجتمعات إلى مجتمعات عنفية؟

هل هي بحث عن عدو جديد بعد الحرب الباردة؟

ونحن الذين وقعنا ضحايا، وتحولنا إلى جناة ماذا قدّمنا من أجل أنفسنا؟

هل استطعنا أن نجيد التعبير عن ذواتنا وقناعاتنا؟ هل حددنا انتماءنا وهويتنا وطرائق عيشنا؟

بعد كل ما جرى في أميركا وأوروبا، ماذا فعلنا بأوطاننا وفيما بيننا؟ هل بإمكان واحد اليوم أن يتحدث عن العيش والتسامح؟ هل يتحدث عن المظلومية من الآخر وهو أكثر ظلماً لنفسه؟

كما في هذا الكتاب وسواه تختلط القوميات مع العادات والتقاليد والدين، فيصبح أي واحد من أي قومية هو علامة الإسلام، سواء كان تركياً أم عربياً، أو من أي قومية كان.. من حق أي شعب أن يدافع عن هويته ووطنه ووجوده وعاداته، ومن حقنا، ومن حق أي واحد أن يدافع عن نفسه في وجه التهميش والإقصاء..! فعن أي شيء يمكن أن يكون الدفاع؟

وكيف يمكن أن تكون ردود الأفعال؟

حسبنا أن نبدأ بفكر منهجي يؤمن بالثوابت، ويتفهم المتغيرات.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن