فرص العمل في ظروف أفضل
| ميشيل خياط
لعل تفعيل منصة سوق العمل في سورية Lmip _ وهي صفحة حكومية أطلقتها وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل مؤخراً بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، يحقق حلماً حضارياً قديماً، راود كثيراً من الإعلاميين السوريين، عندما طالبوا قبل ثلاثين سنة على الأقل بمكتب عمل يرتبط إلكترونياً مع المؤسسات العامة والخاصة ويوفر فرصة العمل بيسر وسهولة وسرعة، بعيداً عن ذل الوساطة وتكاليفها الباهظة، والمماطلة التي أفقدت ذاك المكتب جدواه وتحول إلى مكتب دور وانتظار لمدة لا تقل عن سبع سنوات…!!
أعرف فتاة سجلت دوراً في ذاك المكتب بعد حصولها على الشهادة الثانوية، تزوجت والتحقت بزوجها في إحدى دول الخليج وأنجبت طفلاً، وبعد سبع سنوات جاءتها رسالة من مكتب العمل بأن عليها المشاركة بعد يومين بمسابقة في إحدى المؤسسات السورية الحكومية ولم تستطع المجيء إلى سورية من مكان إقامتها إلا بعد مرور يوم على موعد المسابقة، فخسرت سنوات الانتظار كلها…!! علماً أن فوزها بالوظيفة لم يكن مضموناً أصلاً.
يقول الأستاذ في جامعة دمشق قسم علم الاجتماع الدكتور أكرم القش: إن هذه المنصة إنجاز كبير، يستجيب لنعمة انفتاح النافذة السكانية في سورية، ومن المؤسف أن قلائل هم من يعرفون شيئاً عن تلك النافذة، لكونها فرصة تاريخية تأتي لمرة واحدة في عمر أي دولة من الدول، وتتميز بأنه خلال 30 سنة فقط من عمر الدولة تنخفض نسبة الأطفال وترتفع نسبة الشباب بين 15 و65 سنة إلى خمسين بالمئة، مثلما حدث في سورية بدءاً من عام 2005 وتتراجع نسبة الأطفال إلى ثلاثين بالمئة.
وبهذا المعنى فإن سورية ما زالت تنعم بخمس عشرة سنة على الأقل بذاك الانفتاح للنافذة السكانية، أي بالوفرة في عدد الشباب القادرين على الأداء بقوة ونشاط وهمة عالية ومهارة، وهذا كنزها الحقيقي، في وقت لن تستعيد فيه عافيتها الاقتصادية إلا بإعادة بناء ما هدمته الحرب الجائرة عليها، وإعادة تشغيل مصانعها الكبرى، والتوجه نحو التصنيع وما يجود به من قيم مضافة، والسعي إلى استثمار كل شبر من أرضنا الزراعية.
إن تلك المنصة الجديدة ربح لأصحاب الأعمال في القطاعين العام والخاص والباحثين عن عمل، ربح وفرته «الشابكة» أو ما يعرف بالإنترنت، وهذا هو الاستثمار الحميد لها، إذ تقوى على توفير معلومات عن احتياجات الطرفين أصحاب العمل والعمال، وبكبسة زر يمكن الوصول إلى فرصة العمل الملائمة، وإعلام العامل المعني أنها متوفرة في مكان وزمان محددين.
إن هذه المنصة ضرورية جداً لأن نسب البطالة مرتفعة، في ظل الأوضاع الاقتصادية الرديئة، المتسمة بالتضخم المالي والغلاء والركود… إلخ.
إن النظرة العابرة في الشوارع والحارات في مدينة مثل دمشق، توحي بأن لا بطالة لدينا، ذلك أن الكثير من الجدران مملوءة بإعلانات عن وظائف، كما أن الكثير من المحال التجارية تضع على زجاج أبوابها ملصقات تطلب عبرها عمالاً أو عاملات.
لكن الباحثين في الشأن الاقتصادي، يشيرون إلى نسب بطالة مرتفعة، لا تقل عن 20 بالمئة حسب المكتب المركزي للإحصاء، و31 بالمئة أو 38 بالمئة استناداً إلى أبحاث منشورة على مواقع اقتصادية خاصة، وهناك من يجنح إلى أن نسبة البطالة المقنعة 85 بالمئة وهي تتركز في اقتصاد الظل وجله بسطات على الأرصفة.
المعدل الطبيعي للبطالة هو 4 إلى 6 المئة ولكن نادرة تلك الدول التي تمتلك مثل هذه المعدلات، ولاسيما في دول العالم الثالث، وبعضها دول نفطية، لكنها مثلنا عانت من الحروب على أراضيها ومن الهجمات الإرهابية الشرسة، غير البعيدة عن القرصنة ومن منطلق وطني بحت وحرص على المصلحة العامة.
نأمل أن تتعامل كل جهات العمل والإنتاج العامة والخاصة في سورية مع منصة سوق العمل الجديدة lmip الحكومية، وأن تزودها باحتياجاتها من العمال وأن يقبل عليها الشبان والشابات الراغبون في العمل وأن يسجلوا رغباتهم، فلعلها تساعد في تأمين فرص العمل بسرعة ويسر وسهولة، وهذا رائع لأن العمل أساس الوجود وهو كيان الإنسان وهيبته وجدواه، وقديماً قال فولتير: «يبعد عنا العمل الفقر والملل والرذيلة».