تل أبيب وحربها المستمرة لتهجير الفلسطينيين
| تحسين حلبي
في عام 2005 اتخذ رئيس الحكومة في تل أبيب أريئيل شارون قراراً تاريخياً على مستقبل الكيان الإسرائيلي وهو تنفيذ انسحاب دون قيد أو شرط لقوات الاحتلال من قطاع غزة ونزع 22 مستوطنة كان يقيم فيها ما يزيد على 8000 مستوطن وقدر عدد الراغبين بالتسجيل في وحداتها السكنية الاستيطانية بثلاثين ألفاً، وشكل هذا القرار انتصاراً للمقاومة الفلسطينية وحلفائها في محور المقاومة، وثار المتطرفون من الأحزاب المتشددة ضد هذا القرار الذي نفذه شارون بحجة أنه أراد التخلص مما يزيد على مليون ونصف المليون من الفلسطينيين الذين كانوا يعيشون في القطاع في ذلك الوقت، وأعلن أن الجيش يجد صعوبة في حماية المستوطنين وفي حماية مواقعه العسكرية أمام هذا العدد من الفلسطينيين في مساحة القطاع الضيقة التي ينتشر في جيشه، وصفق له المؤيدون الذين وجدوا في هذا الانسحاب تخلصاً من مليون ونصف مليون يشكلون نسبة من الخطر الديموغرافي الشامل في فلسطين مقارنة بعدد اليهود المتناقص بسبب الهجرة المعاكسة للمستوطنين العائدين لأوطانهم وتدني هجرة اليهود القادمين للكيان، وظن قادة الكيان أن الانسحاب من القطاع ومحاصرته سوف يؤدي إلى تهجير الفلسطينيين وإلغاء مشاركتهم باستمرار المقاومة بعد تحرر قطاع غزة من قوات الاحتلال ومن وجود المستوطنين، وما كادت تمر فترة ثلاثة أعوام على الانسحاب حتى فاجأت فصائل المقاومة جيش الاحتلال المنتشر على حدود الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1948 في الجنوب بالصواريخ والقذائف التي تساقطت على مستوطناته أيضاً، وتكررت المجابهات من قطاع غزة ضد الاحتلال وتصاعدت حتى وصلت إلى عملية طوفان الأقصى في السابع من شهر تشرين الأول الماضي واستمرت المجابهات تسعة أشهر حتى الآن، وتبين من نتائج هذه المجابهات أن عمليات إبادة شعب التي نفذها جيش الاحتلال داخل القطاع، لم توقف المقاومة ولم تحقق هدفها بتهجير الشعب الفلسطيني في القطاع، رغم تدمير بيوته وبنيته التحتية الإستراتيجية الشاملة بكل أنواعها واختصاصاتها الطبية والتعليمية والسكنية والغذائية، وفي المحصلة النهائية تبين أن عدد الفلسطينيين في مجمل فلسطين أصبح سبعة ملايين ونصف المليون مقابل ستة ملايين ونصف المليون من اليهود حتى الآن ودون حساب أكثر من 740 ألفاً من اليهود الذين غادروا خوفاً على حياتهم خلال الأشهر الماضية عائدين إلى أوطانهم التي يحملون جنسياتها والمواطنة فيها ليصبح عدد اليهود في فلسطين الآن أقل من ستة ملايين مقابل سبعة ملايين ونصف مليون من الفلسطينيين، وقد لوحظ بعد هذا الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني أن وسائل الإعلام الإسرائيلية بدأت تكشف عن تساؤلات وتصريحات يطرحها قادة الكيان حول مستقبل هذا الخطر الديموغرافي المتفاقم على مستقبل الكيان، فبعد ثلاثة أشهر على عملية طوفان الأقصى طالب في الأول من كانون الثاني الماضي وزير الأمن الداخلي في الكيان ايتامار بن غفير وهو المسؤول الأول عن تنفيذ أي عمليات تهجير قسري للفلسطينيين، بالبدء بتنفيذ عمليات تهجير من داخل القطاع ومن الضفة الغربية، وطالب الناطق باسم مجالس المستوطنات في الخليل يشاي فلايشر بسن قانون يتم فيه معاقبة أي فلسطيني يناهض الاحتلال بالتهجير هو وعائلته إلى الأردن أو تركيا، وكانت وزيرة الاستخبارات الإسرائيلية في حكومة بنيامين نتنياهو، غيلا جامليئيل وهي من قادة الليكود، قد طالبت أثناء الحرب على القطاع بتهجير مئات الآلاف من العائلات الفلسطينية إلى خارج القطاع، وهذه الدعوات العلنية لا بد أن تكون جزءاً من مخطط تعده حكومة نتنياهو لتنفيذ عمليات التهجير بأشكال جماعية فورية أو على مراحل لأن هذه المهمة أصبحت على جدول عمل تعده الحكومة من أولويات أمن الكيان ومستقبل وجوده.
يلاحظ قادة الكيان دون أدنى شك أن احتلال بقية الأراضي الفلسطينية منذ عدوان حزيران 1967 فرض تطورات لم تعد تصلح لفرض مشروع يهودية الدولة حتى في الأراضي المحتلة منذ عام 1948 حيث يوجد أكثر من مليونين ومئتي ألف من الفلسطينيين، فما بالك في كل الأراضي التي يحتلها الجيش الآن في قطاع غزة والقدس والضفة الغربية، وهي تضم خمسة ملايين ونصف مليون من الفلسطينيين؟! ومع تزايد محاولات التهجير القسري للفلسطينيين بعد عشرات السنين من الصمود والمقاومة أصبح العالم العربي والإسلامي مطالباً بتحذير المجتمع الدولي وتهديده باتخاذ إجراءات جماعية تستند إلى ميثاق الأمم المتحدة وجنيف لمنع أي تهجير يفكر الكيان بتنفيذ، وبالمقابل لا أحد يشك بأن أطراف وقوى محور المقاومة لن تنتظر أي ضغط دولي لمنع هذه الجريمة بل ستقوم كل أطرافها من المقاومة الفلسطينية واللبنانية ومن قوى المقاومة في العراق واليمن ودمشق وطهران، بمنع هذه الجريمة حتى بمقاومتها المسلحة للكيان ومن كل جبهاته وهذا ما يجب على تل أبيب وواشنطن إدراكه.