قضايا وآراء

نتنياهو ومعضلة اليوم التالي للحرب على غزة

| علي عدنان إبراهيم

يضغط الإسرائيليون على حكومة بنيامين نتنياهو بكل قوتهم وللمرة الأولى بهذا الزخم منذ بداية الحرب، بعد أن لاح لهم بصيص أمل بإمكانية البدء بمفاوضات تعيد الأسرى وتنهي الحرب في غزة وتمكن النازحين من العودة إلى مستوطناتهم، إلا أن كل ما يروى عن اقتراب أو نجاح هذه الصفقة وإرساء التهدئة في المنطقة بأسرها متوقف على كلمة نتنياهو الذي بدأ بوضع شروط جديدة مجحفة على الغزاويين دفعوا لأجل التخلص منها ثمناً باهظاً لن يبخسوا به.

العملية التفاوضية بدأت بالفعل بوصول رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية «الشاباك» رونين بار، إلى القاهرة ونيته التوجه بعد ذلك إلى الدوحة حيث تضطلع الدولتان بالوساطة للتوصل إلى حل للحرب، ومن المقرر أن يناقش بار بشكل خاص وضع محور فيلاديلفيا ومعبر رفح على اعتبار أنه سيبقى المنفذ الوحيد للغزيين خارج السيطرة الإسرائيلية، وإمكانية الاستحواذ عليه وبناء جدار تحت الأرض وفوقها لتشديد سجن سكان القطاع ومنع أي عمليات تهريب من مصر إلى القطاع وخاصة عبر الأنفاق، ويعطي الوصول المتوقع لرئيس جهاز المخابرات الأميركية وليام بيرنز، إلى القاهرة زخماً أكبر لعملية المفاوضات، وخاصة أن الجانبين المصري والأميركي تعهدا للجانب الإسرائيلي بمساعدته على بناء عوائق محصنة في محور فيلاديلفيا في حال موافقته على إبرام الصفقة وإنهاء الحرب.

وعلى الرغم من الاندفاع الذي يعلنه المستوى الإسرائيلي الأدنى باتجاه إبرام الصفقة بعد 9 أشهر على الحرب، يحرص نتنياهو ووزراؤه المتطرفون على عرقلة إبرامها أو تمديد حالة اللا استقرار لمواصلة الحرب على أمل تحقيق مفاجأة لن تحصل، كإلقاء القبض على يحيى السنوار في أحد أنفاق رفح مثلاً، أو الفرار من المساءلة عن الفشل الإستراتيجي في السابع من تشرين الأول، أو تقديمه كمجرم حرب للجنائية الدولية لتخفيف حدة توتر الرأي العام العالمي بعد الإبادة الجماعية التي تعرضت لها غزة على يده، حيث أقدم نتنياهو أمس على إصدار بيان أثار ضجة في الشارع الإسرائيلي على اعتبار أن ما يحمله مجرد شروط لا يمكن أن توافق عليها حماس بأي شكل من الأشكال ومنها «السماح بعودة الأسرى من دون التنازل عن أهداف الحرب» أي من دون تدمير حركة حماس بشكل تام ما يعني استمرار الحرب، كذلك حمل بيان نتنياهو شرطاً آخر «منع عودة آلاف المسلحين إلى شمال القطاع»، بينما تشترط حماس عودة جميع النازحين إلى منازلهم، كما أن هذا الشرط لم يكن موجوداً من الأساس في مبادرة بايدن التي وافقت حماس عليها سابقاً.

بيان نتنياهو المعطل لم يمر من دون رد، حيث أكد الناطق باسم كتائب القسام في غزة أبو عبيدة في بيان مصور أن «القدرات البشرية لكتائب القسام بخير كبير.. وأنه تم تجنيد آلاف المقاتلين الجدد خلال الحرب»، وفيما يخص الأسرى وجه أبو عبيدة رسالة لذويهم بالقول: «مصير أبنائكم أصبح ألعوبة بيد نتنياهو الذي يسعى لتحقيق نصر شخصي وإرضاء صعاليك حكومته»، كما وجه رسالة للقوات الإسرائيلية التي تسعى حكومة الكيان لإبقائها في قطاع غزة، وخاصة في ما يسمى محور نتساريم الذي يقسم القطاع إلى شمالي وجنوبي بعرض 4 كيلومترات بالقول: «سيكون محور نتساريم محوراً للرعب والقتل وسيخرج منه العدو مندحراً مهزوماً».

طمأنة أبو عبيدة لجمهور المقاومة ولسكان غزة، عن وضع الميدان وقدرة الكتائب المقاتلة على الاستمرار في حرب طويلة، أثارت الرعب في قلوب الإسرائيليين من انهيار الصفقة بسبب تعنت نتنياهو وترك الأمر لتحسمه الحرب، ليصف الجنرال المتقاعد إسحاق بريك حجم الكارثة المتوقعة بتعطيل الصفقة بأنها «كقنبلة ذرية أسقطت علينا»، وقال أيضاً: «إذا رفض نتنياهو الصفقة مرة أخرى فسنفقد المختطفين إلى الأبد وسنكون على شفا حرب إقليمية»، مؤكداً أن استمرار القتال لن يسهم إطلاقاً في تحقيق النصر بل ستكون هزيمة إسرائيل أكثر إيلاماً، وخاصة على جبهة جنوب لبنان، كما أدلى رئيس الكيان إسحاق هيرتسوغ بتصريح نادر يوازي حجم المنعطف الذي يقبل عليه الكيان ومدى تأثير إبرام الصفقة من عدمه قائلاً: إن «الأغلبية المطلقة من الإسرائيليين تؤيد صفقة التبادل وواجب الحكومة هو إعادة الأسرى من غزة».

في ضوء جميع هذه المعطيات يبدو أن الصفقة لا تزال بعيدة عن التوافق عليها، كما يمكن القول إنها بعيدة عن الانهيار الكامل، فنتنياهو يخشى من هذه الصفقة فقط فكرة توقف الحرب ومناقشة اليوم التالي لها، وكيف سيفسر الفشل الإستراتيجي يوم السابع من تشرين الأول، وكيف سيفسر انهيار الردع في الشمال، وكيف سيسمح مكرهاً بإعادة إعمار القطاع وإنشاء بيئة مناسبة لترتيب صفوف المقاومة من جديد؟ كذلك كيف سيحافظ على ائتلافه اليميني الساعي لإعادة السيطرة الإسرائيلية على غزة والضفة والتوسع في كل اتجاه؟

إن هذه الصفقة وما تحمله من إنهاء للحرب هي حتماً أشد كوابيس نتنياهو رعباً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن