مسرح الطاولة في مونودراما «سقوط الحصان» في مأساة الإنسان
| عبد الحكيم مرزوق
استضافت رابطة الخريجين الجامعيين (مسرح على الطاولة) الذي قدم مونودراما «سقوط الحصان» تأليف المسرحي الكبير فرحان بلبل وإعداد وأداء الفنان عبد الكريم عمرين، وذلك في حديقة الرابطة بحضور جمهور من الأدباء والفنانين ومتابعي الأنشطة الثقافية.
«سقوط الحصان» يبدو أنه يجسد مأساة الإنسان ومعاناته في سنوات الحرب البغيضة التي مرت على سورية حيث يقدم مثالاً لرجل لم يكن ينقصه شيء وفقد كل شيء، فكيف يقوى على الوقوف والصمود في وجه الأزمات التي أطاحت بكل ما يملك بدءاً من عائلته التي جعلتها هذه الحرب أشلاءً بين الركام، وانتهاءً بما كان يملك من ثروات كانت تعينه في الحياة على قضاء حوائجه، إنها دراما الإنسان السوري التي لم تنته فصولها بعد.
يعرفنا العرض بـ«شاكر أبو مهند»، الذي طحنته الحرب الكونية في سنواتها الصعبة فأصبح لا يملك شيئاً ولا حتى قوت يومه، حيث يبدأ من خلال التداعيات بالعودة إلى الوراء ليقدم قصته بعد أن انتهى به الأمر ليمثل شخصية الضبع من خلال القفص الذي يدخله مقابل خمسين ليرة للشخص الواحد، فتارة ينادي للفرجة على الضبع وتارة يقلد صوت الضبع الذي اقتلعت أظافره وأنيابه، وأمام تلك الأزمة التي يعيشها لا يجد مَنْ يأتي ليتفرج عليه متسائلاً هل أصبح صوت الضبع مألوفاً، وغير استثنائي بعد انتشار القذائف، ومشاهد القتل بالتفجيرات والسيارات المفخخة؟ حيث يتسول الناس كي يأتوا ويتفرجوا على الضبع الذي يمثله كي يستطيع العيش بعد أن طرد من الجمعيات الخيرية لأنه جاء ليأخذ طعام الفقراء وهو أكبر غني، حيث يبدأ برواية قصة أبيه الذي كان أكبر تاجر كريستال.
أمام هذه اللحظة الدرامية التي جسدها «عمرين» يتذكر (عماد) أستاذه الجامعي الذي الذي أصبح محني الظهر ويده نصف مشلولة بعد أن خطفوه وعذبوه ودفع لهم كل ما يملك حتى يتركه الخاطفون ثم استقال من الجامعة لأنه «مجروح وطن والمجروح يعجز عن التفكير»، ويشير عليه أستاذه الجامعي بالتسول حيث يجمع مبلغا كبيراً خلال شهرين وتبدأ أحلامه تفكر بالملايين التي يمكن أن يجمعها ولكن حالة إنسانية لامرأة والدها مريض يجدها أمامه مصادفة حيث تكون عاجزة عن دفع أجور عملية مستعجلة لوالدها حيث يقوم بدفع المبلغ للمشفى ويفقد كل ما جناه ويعود للمربع الأول، ويعود لأستاذه الذي يشير عليه بالعمل بائعاً للمتعة عند النساء في ظل هجرة الرجال خارج البلد حيث يرفض في البداية لكنه يقبل بعد ذلك، ويقع بيد حراس الفضيلة الذين يدافعون عن القيم والأخلاق حيث يشبعونه ضرباً ويخرج من عندهم إلى أستاذه شاكياً وضعه المزري وما لقيه من ضرب وتعنيف ليجد أستاذه في وضع صحي سيئ حيث يموت ويخرج في جنازته في اليوم الثاني نادباً حظه السيئ.
استطاع (عمرين) أن يجسد شخوص عرضه واستعار أصواتهم وحالاتهم النفسية في الحزن والفرح والأزمات، مستعيناً ببعض الإكسسوارات التي أعانته على تجسيد شخصية الضبع من خلال الوجه الذي ارتداه، والإيحاء بالمكان الذي يأتي الناس إليه للتفرج على الضبع.
المكان والزمان واحد هو الطاولة التي كان يقدم من خلالها أداءه المسرحي، وقد استطاع خلال ثلاثين دقيقة زمن العرض أن يقدم لنا قصة شاكر أبو مهند بأسلوبه المسرحي، وهذا ليس جديداً على ممثل عتيق له تجربة كبيرة على خشبات مسارح القطر.