قضايا وآراء

من أعماق الدولة العميقة الأميركية

| دينا دخل الله

معروف عن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قوله عام 2003 في كلمة جماهيرية في تكساس إنه «إما أن ندمر الدولة العميقة أو تنجح الدولة العميقة في تدمير أميركا تماماً»، ويشهد التاريخ السياسي لأميركا مراحل عديدة سيطرت فيها الدولة العميقة على المشهد السياسي بكامله، لكن عندما يتولى السلطة رئيس قوي له صفات القائد التاريخي يتراجع تأثير هذه «الدولة».

عدد القادة العظام في التاريخ الأميركي قليل جداً مقارنة بالرؤساء العاديين، فمن بين 46 رئيساً هناك بعض القادة مثل جورج واشنطن وتوماس جيفرسون «أب الدستور» وإبراهام لنكولن «موحد أميركا» وجيمس مونرو «مؤسس الانعزالية» وفرانكلين روزفيلت «مؤسس مذهب التدخلية الاقتصادية new deal» ودوايت آيزنهاور وجون كينيدي وأخيراً ريتشارد نيكسون.

والدولة العميقة هي شبكة غير مؤسسية تضم مراكز قوى اقتصادية كصندوق الاحتياطي الأميركي، وهو قطاع خاص، وزعماء مافيات منوعة من مجموعات الضغط واللوبيات، إضافة إلى مسؤولين من «الاستابلشمنت» نفسه، وتعمل هذه «الدولة» بعيداً عن سيطرة الأجندة الرقابية الرسمية وتقوم بـ«شراء» أصحاب القرار خاصة في مؤسسات مهمة كالبنتاغون، وزارة الدفاع، والستيت ديبارتمنت، وزارة الخارجية، والمحكمة العليا وغيرها من المؤسسات النافذة.

فالدولة العميقة ورطت رئيساً متواضع الكفاءات اسمه لندون جونسون في حرب فيتنام وحرب 1967 في منطقتنا، كما ورطت الرئيس جورج بوش الابن في حربي العراق وأفغانستان وغيرهما.

بينما استطاع الرئيس فرانكلين روزفلت إثبات قدرته على اتخاذ القرار المضاد لمصالح الدولة العميقة عندما قام بفرض سياسة تدخلية الدولة في الاقتصاد إبان الأزمة الاقتصادية في ثلاثينيات القرن الماضي، وفي عام 1961 استطاع جون كينيدي القفز فوق رأي الدولة العميقة عندما اتفق مع الزعيم السوفييتي نيكيتا خروتشوف على حل أزمة كوبا حلاً سلمياً عبر صفقة مهمة سحب عبرها السوفييت صواريخهم من كوبا وبالمقابل سحبت أميركا صواريخها من تركيا.

وهناك صدام مهم آخر داخل الدولة العميقة وامتداداتها في المؤسسات الرسمية ظهر في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، إنه الصدام الشهير بين وزارة الخارجية ووزارة الدفاع، فأيدت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون الإخوان المسلمين وفصائل الإرهاب الأخرى أثناء «الربيع العربي»، خاصة أثناء حكم مرسي في مصر، في حين كانت «البنتاغون» تميل إلى الحكومات العسكرية أو العلمانية، ونتيجة لهذا الصدام أقال أوباما الوزيرة كلينتون، ما أدى إلى خروج الإخوان من السلطة في تونس ومصر وطردهم من السعودية.

ولعل ما يحصل الآن في أوروبا، حرب أوكرانيا، أحد منتجات الدولة العميقة التي تراكمت منذ عهد الرئيس رونالد ريغان حتى اليوم، فتمدد الـ«ناتو» إلى حدود روسيا هدفه منع التواصل الإستراتيجي بين روسيا وأوروبا حيث يوجد ترابط مصلحي طبيعي بين الطرفين، فروسيا تمتلك الطاقة والغذاء والأيدي العاملة، إضافة إلى أنها سوق واسعة لتصريف البضائع الأوروبية.

من الواضح أن التكامل الاقتصادي بين أوروبا، بشكل خاص ألمانيا وفرنسا، وروسيا سيسهم في إضعاف العلاقة الاقتصادية بين أميركا وأوروبا، حيث تصبح الولايات المتحدة قوة منعزلة خلف المحيط الأطلسي.

هل سنرى في انتخابات تشرين الثاني المقبل بروز قائد صاحب قرار يعمل على إضعاف الدولة العميقة، وهل سيكون باستطاعة ترامب، إن فاز بالانتخابات، القيام بذلك؟

كاتبة سورية مقيمة في الولايات المتحدة الأميركية

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن