قضايا وآراء

نتنياهو وصراع الخيارات

| منذر عيد

بين مفاوضات لإطلاق سراح الأسرى وإنهاء الحرب على قطاع غزة لا يرغب في خوض تفاصيلها أو التوصل إليها، وبين حرب بلا نهاية لا يجرؤ على خوضها ولا يملك إمكانات وأدوات خوض حرب طويلة الأمد، يقف رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بين خيارين أحلاهما مر، ويقتنع أن إعلان التوصل إلى اتفاق مع فصائل المقاومة الفلسطينية، ووقف الحرب على غزة هو إعلان الهزيمة، وقرار سياسي وجنائي بذهابه إلى السجن، ما يجعل خيار الاستمرار في حرب استنزاف أو حرب جزئية «مناوشات» الخيار الرئيس أمامه ما دام قادراً على تبريرها وتبرير استمرارها، وهو دائماً ما يجد تلك المبررات حتى الآن.

رغم الإجماع في الداخل الإسرائيلي على الصعيدين المجتمعي والسياسي على ضرورة التوصل إلى صفقة لتبادل الأسرى، الأمر الذي بدا جلياً من خلال تصريحات وزير الحرب يوآف غالانت بقوله: إنه «من الضروري إبرام صفقة لاستعادة الأسرى من غزة»، وتأكيد زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد، حاجة الكيان إلى وقف الحرب في غزة، وإبرام صفقة تبادل مع حماس والمقاومة لإعادة المحتجزين، فإن جملة من الأسباب تدفع نتنياهو إلى التهرب وعرقلة التوصل إلى أي اتفاق، أهمها تخوفه من أن اليوم الثاني من إنجاز الصفقة سوف يكون أمام حقيقة حل حكومته والقبول بالأمر الواقع وهو إجراء انتخابات مبكرة، يعي جيداً، أنها ستكون بمثابة العقوبة له، إضافة إلى ما سيتبعها من إجراءات قضائية وتحقيقات حول مسؤولية حدوث عملية «طوفان الأقصى» وما تلاها.

معرفة نتنياهو بحقيقة نتائج ماذا يعني إبرام صفقة مع المقاومة، جعلته يبدو أنه وصل إلى قناعة بأن قدرته على تحمل عقبات ونتائج عرقلتها وعدم التوصل إليها إلا وفق شروطه، أسهل بكثير من تحمله نتائج إبرامها، وعليه تؤكد صحيفة «معاريف» الإسرائيلية: «بما أن التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الرهائن من شأنه أن ينهي الحرب، التي لا تحتاج إسرائيل إلى إعادة نشر قواتها وتحديثها فحسب، بل أيضاً لبدء عمليات الاستقرار والتطبيع، فإن نتنياهو يمنع بسخرية وقسوة أي اتفاق من هذا القبيل».

إذا كان نتنياهو قد وجد ضالته في عرقلة الاتفاق مع المقاومة على تبادل الأسرى، ماذا بشأن جبهة الشمال، وإسناد حزب اللـه للمقاومة في غزة، وخلو مستوطنات الشمال من قاطنيها، وتحولها إلى مناطق مسيطر عليها من الحزب بالنار، وهل الكيان على استعداد لخوض حرب إقليمية كبيرة وطويلة الأمد؟ الجواب بدا واضحاً في كلام زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد بقوله: إن «الجيش الإسرائيلي ليس مستعداً لخوض مثل هذه الحروب الطويلة، بسبب اعتماده على قوات الاحتياط، التي لا تصلح لهذا النمط من الحروب»، وما زاد في التحذير من الذهاب إلى حرب واسعة مع حزب اللـه ما خلصت إليه «توصية مهنية» لحكومة الكيان تم من خلالها تقييم مدى الأضرار المحتملة لحرب شاملة وعالية الحدّة مع حزب الله، وقولها: «في حرب واسعة النطاق مع حزب الله، سيتعين على أنظمة الدفاع الجوي التابعة للجيش أن تتعامل مع مرور الوقت، وخصوصاً خلال الأسابيع القليلة الأولى من الحرب، مع وابل واسع يصل إلى آلاف القذائف يومياً، التي لا يمكن اعتراضها كلها، ويمكن لهذه الهجمات، بما فيها تلك القادمة من جبهات أخرى مثل إيران والعراق وسورية واليمن، أن تطغى على طبقات الدفاعات الجوية الإسرائيلية وربما تؤدي إلى نقص ذخيرة الاعتراض، وكل هذا يمثل تهديداً عسكرياً ومدنياً لم تشهده إسرائيل من قبل».

في جملة المشاهدات والمتابعات، التي بات الكثير عالمياً وحتى في داخل الكيان يعبر عنها، ثمة إجماع على أن نتنياهو يمارس سياسة المصلحة الشخصية، غير آبه بجميع التحذيرات الخارجية من جر المنطقة إلى حرب واسعة، والمطالبات الداخلية بإنهاء الحرب وإعادة الأسرى، وتجاهله حالة الغليان في الشارع الإسرائيلي ضد سياسته، حد دفع بالمحلل السياسي الإسرائيلي الأبرز ناحوم بارنياع من صحيفة «يديعوت أحرونوت»، القول: إنه سمع في الأسابيع القليلة الماضية من أكثر من شخص جملة «الآن فهمت يغال عامير قاتل رابين»، ليكون ذلك بمثابة مؤشر على الحالة التي وصل إليها البعض الإسرائيلي، وليولد ذلك سؤالاً غاية في الأهمية: هل يولد من بين الحانقين على سياسة نتنياهو يغال عامير جديد؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن