من دفتر الوطن

النجاح.. والهجرة!

| فراس عزيز ديب

اعتدتُ في السنوات السابقة أن يكون لإعلان نتائج امتحانات شهادة الدراسة الثانوية مكان لما أكتب، أحب كثيراً افتخار الأصدقاء بنتائج أبنائهم، أعشق تلك العودة إلى خزائن الذكريات أيام الزمن الجميل وأقارن مثلاً بين الطريقة التي يتلقى فيها الطالب نتيجته اليوم والطريقة التي كنا نتلقى فيها النتائج على زمننا، حتى الاتصالات كانت تُخرج المقاسم عن الخدمة بسبب زحمة الاتصالات بوقتٍ واحد زمن هاتف «أبو قرص» ما يجعل إمكانية الاطمئنان على من يهمنا أمرهم مهمة شاقة.

لكن دعوني أعترف بأنني هذا العام مللتُ حديث الذكريات، كذلك الأمر مللت الحديث عن فكرة المناهج السورية تحديداً للشهادتين الإعدادية والثانوية التي يكثر فيها الحشو، أما الشكل الخارجي لبعض الكتب وحجمها قد يصيب الطالب بالاكتئاب قبل التفكير في الدراسة، اليوم سأتجاهل كل تفاصيل الذكريات وأتقاعس عمداً عن مهمة الإضاءة على أنه ليس من العدل أن يكون امتحاناً واحداً يحدد مسار الطالب ومستقبله، نحن فعلياً بحاجةٍ لإصلاح كامل في هذا المجال، لكن هذه الزاوية ليست مناسبة للحديث عنه، سأتجاهل كل ذلك لأتحدث عن عبارةٍ كثر استخدامها على وسائل التواصل الاجتماعي منذ إعلان النتائج بعيداً عن التبريكات:

«مبارك للدول الأوروبية دفعة جديدة من الناجحين الذين سيغادرون باتجاهها».

عبارة تستحق التوقف عندها لما تحملهُ من تفاؤل بمستقبل يفرغ الوطن من شبابه.

بصراحة لا أعرف هل إنني أمتلك حساسية مفرطة من عبارات كهذه أم إن العبارة تدعو فعلياً للقلق؟

قبل فترة تحدثت مع صديق عن مصطلح هجرة العقول والأدمغة، أنا هنا لا أريد أن أخوض في الأسباب التي تدفع هذا أو ذاك للهجرة، بعضها محق حكماً لكني أتحدث عن المصطلح بحد ذاته، أليس الحديث عن هجرة العقول يعني بشكل مباشر أن من بقي ليسوا أهلاً للكفاءات، لذلك هم ليسوا مرغوبين في بلد اللجوء؟!

بصراحة لا تخلو هذه العبارة من التناقضات، بمعنى آخر ربما هناك من يلمح إلى فكرة هروب العقول فقط ليحاول ببساطة أن يتجاهل أن السعي للهجرة عابر للاختصاصات، من دون أن ننسى أن الخدمات في هذه الحياة حلقة مفرغة لا يمكن أن تتم من دون أحد أركانها من عمال النظافة المسؤولين في الدولة.

في الخلاصة: مبارك لمن نجح ولا ندري إن كان قد حقق طموحه أم لا، لأنه حسب ما نراه حالياً لا يسر عدواً ولا صديقاً، فالطموح يبدو باتجاهٍ واحد فقط، لكن حذارِ من ربطه فقط بمبدأ «هجرة العقول»!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن