أما آن لضمير هذا العالم أن يتحرك؟
| تحسين حلبي
لم يبق شكل من أشكال القتل المباشر والقتل بالتجويع والتعذيب والتدمير الوحشي المسجلة في تاريخ الحروب التي شهدها العالم طوال ألفي عام، إلا واستخدمته قوات الكيان الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، فعلى مساحة 360 كلم2 يحيط بها الحصار من كل الاتجاهات بحراً وبراً وسماء ومن داخلها، تستمر آلة القتل الوحشي في عملها طوال أكثر من تسعة أشهر وبكثافة طال فيها الموت أكثر من أربعين ألفاً من الأطفال والنساء والمدنيين وأصيب فيها بجراح أكثر من مائة ألف أمام جميع أفراد هذا العالم في كل ساعة وفي كل مشهد يومي دون أن يصحو ضمير حكومات الغرب ويدفع قادتها أصحاب القرار إلى إيقاف آلة الموت هذه، بل ودون أن تكترث هذه الحكومات برأي شعوبها ورأي كل شعوب العالم التي نددت بهذه الجرائم وطالبت بإيقافها ومحاكمة المرتكبين لها.
ومع ذلك كان من اللافت أن يتحرك ضمير عدد من المسؤولين والموظفين الحكوميين في الإدارة الأميركية ويعلنون عن تقديم استقالاتهم كل منهم بشكل فردي من وظائفهم الدبلوماسية والإدارية بسبب تواطؤ ادارتهم مع الجرائم التي يرتكبها الكيان في القطاع، وهي ظاهرة لم تحدث سابقاً حتى في الحرب الأميركية على فيتنام في السبعينيات من القرن الماضي، وبالرغم من أن كلا منهم قدم استقالته بشكل منفرد وتوقيت مختلف إلا أنهم بعد اكتشافهم للقاسم المشترك الذي جمع بينهم قرروا إصدار بيان مشترك في الرابع من شهر تموز الجاري يحمل تواقيعهم ونشروه في وسائل الإعلام العالمية وفي مجلة «أنتي وور» في السادس من تموز الجاري، وهو ما يعد نشاطاً سياسياً ضد الرئيس الأميركي جو بايدين والكيان الإسرائيلي، وببيانهم هذا تحولوا إلى كتلة سياسية تنتقد إدارة بايدين وتندد بجرائم الكيان الإسرائيلي، بل وجهوا رسالة علنية في نص البيان يحثون فيها زملاءهم في الإدارات الحكومية الأميركية على التحرك على قاعدتهم ذاتها وجاء فيها: «إن صوتكم له أهمية ونحن نخاطبكم على أمل أن تستخدموا وظائفكم ومهامكم لزيادة الدعوات للسلام ولتحميل مؤسساتكم مسؤولية العنف المتصاعد في فلسطين ونحن نعترف بالعقبات النظامية التي تواجهونها في أثناء عملكم ووجود خيار بالتخلي عنها، ونحن معكم وندرك أن الطريق الأفضل موجود وممكن ولكن فقط حين تكونون شجعاناً بما يكفي للقيام بتحديكم للمؤسسات والقوى التي تحاول إسكات صوتنا، ونحن نشجعكم على ممارسة الضغط المستمر، واستخدموا صوتكم في أثناء عملكم الحكومي واكتبوا الرسائل لقادة أقسامكم وإداراتكم وأكدوا لهم عدم اتفاقكم مع مجموعة أصحاب القرار واعلموا أن صرخاتكم ستتحول إلى كرة ثلج تكبر وتلهم الآخرين باستخدام أصواتهم»، ويحذر بيان هذه المجموعة من المستقيلين الإدارة الأميركية من اتخاذ أي إجراء يمس حرية الرأي والتعبير والتظاهر السلمي ويطالبون الإدارة الأميركية بفرض عمليات مكثفة لإدخال المساعدات الغذائية إلى الفلسطينيين في قطاع غزة دون توقف «لأن الأسلحة الأميركية هي التي تشارك في قتل الفلسطينيين»، وبموجب ما جاء في البيان الذي حمل تواقيع اثني عشر مسؤولاً سياسياً وعسكرياً وهم حسب ترتيبهم في صفحة البيان والوظائف التي كانوا يشغلونها:
1- محمد أبو هاشم، رقيب أول في سرب المهندسين المدنيين رقم 316 وزارة القوات الجوية الأميركية.
2- آنا ديل كاستيلو، نائب مدير مكتب التنظيم والإدارة – البيت الأبيض.
3- ليلي غرينبيرغ كول، مساعدة خاصة لرئيس هيئة موظفي وزير الداخلية الأميركية.
4- ساسي جيلبيرت، المستشارة العسكرية – المدنية رفيعة المستوى في مكتب السكان واللاجئين والهجرة في وزارة الخارجية.
5- طارق حبش، المستشار في مكتب التخطيط والتقييم والتطوير السياسي في وزارة التعليم الأميركية.
6- مريم حسنين، مساعدة في مكتب مساعد وزير الداخلية لشؤون الأرض وإدارة الثروات المعدنية.
7- الرائد رايلي ليفيرمور، قائد طيران في سرب اختبار الطائرات في وزارة سلاح الجو.
8- الرائد هاريسون مان، الضابط العسكري والتنفيذي في المركز الإقليمي لوسط وشرق إفريقيا في وكالة المخابرات العسكرية الأميركية «دي آي إي».
9- جوش بول، مدير مكتب الشؤون العسكرية – السياسية في وزارة الخارجية الأميركية.
10- هالة رهاريت، الدبلوماسية الناطقة باسم وزار الخارجية حول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في وزارة الخارجية الأميركية.
11- آنيل شيلاين، ضابط الشؤون الخارجية في مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل في وزارة الخارجية الأميركية.
12- أليكساندر سميث، المستشار رفيع المستوى في مكتب الصحة العالمية في الوكالة الأميركية الدولية للإنماء.
ولا شك أن هؤلاء المسؤولين الأميركيين أخذوا على عاتقهم في هذا البيان القيام بمهمة حشد أكثر عدد من زملائهم في الإدارة الأميركية في محاولة لتغيير هذا الموقف الأميركي المنحاز كلياً إلى جانب جرائم الحرب ضد الفلسطينيين، فهل يفعل البعض في منطقتنا مثلما فعل هؤلاء؟