هل لسورية أصدقاء في تركيا؟
| د. بسام عبد الله
لا يخلو يوم من تصريح للرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول العلاقات مع سورية، وإعادة المياه إلى مجاريها، ولا تخلو الصحف يومياً من الأخبار عن الاحتمالات والسيناريوهات الممكنة لتطور الأحداث بين من يقول إن اللقاءات ستتم في بغداد، وآخرين يتحدثون عن موسكو أو سوتشي، وفي كل الأحوال فإن المسار على ما يبدو سيفتح لأسباب موضوعية إقليمية ودولية، وداخلية تركية، فتركيا رغم سعيها وجهودها لتطوير العلاقات مع السعودية والإمارات ومصر، لكنها واجهت سؤالاً فيما يخص الحل في سورية؟ وكذلك الأمر مع بغداد إذ كيف يمكن لاتفاقية المياه أن تأخذ طريقها للتنفيذ، والمياه مقطوعة عن سورية التي تمر عبرها لتصل لاحقاً إلى العراق، وماذا عن المعابر البرية التي تصل تركيا بالخليج عبر سورية؟ ثم كيف ستحل مسألة اللاجئين السوريين المعقدة من دون أمن واستقرار سورية وإعادة الإعمار؟
إذا أضفنا لكل هذه الأسئلة الموضوعية مسألة أخرى ترتبط بالجماعات الإرهابية في إدلب وغيرها من المناطق، وماذا ستفعل تركيا بهم، وإلى أين ستذهب بهؤلاء المأجورين- المرتزقة الذين تحولوا إلى عبء عليها بعد أن استثمرتهم في كل صراعات العالم بما في ذلك ضد أهلهم وشعبهم وبلدهم؟!
الحقيقة أن كل هذه الأسئلة تطرح نفسها بقوة على الطاولة، والأهم هل تخلت تركيا عن الملي ميثاق، وعن سياسات التتريك، وإقامة مناطق موالية لها على الحدود المشتركة، ومتى وكيف ستسحب جيشها ضمن جدول زمني واضح، وبضمانات مكتوبة وليس بتصريحات شفهية، من هذا المسؤول التركي، أو ذاك؟!
ولأن الأسئلة كثيرة والملفات معقدة يجب ألا نستعجل الأمور، ومع ذلك أميل إلى أن مجمل الظروف الداخلية والإقليمية والدولية تدفع باتجاه إنجاز الحلول التي ستساعد في حلحلة ملف معقد لا تريد بعض الأطراف الدولية إيجاد حل له، كما تحدث نائب رئيس حزب وطن التركي الصديق قبل أيام حيث قال لوكالة أنباء «نوفوستي» الروسية إن أجهزة استخبارات دولية تعمل على عرقلة هذا المسار.
بغض النظر عن كل ذلك، أود الإشارة إلى نقطة مهمة لا يلتفت إليها للأسف كثير من المعنيين، فيتحول الملف التركي إلى حالة عداء مطلق بين السوريين والأتراك من دون أن نميز بين أصدقائنا وخصومنا، فنضع الجميع في سلة واحدة، وهو ما يريده من يعادينا سواء كان داخل تركيا أم خارجها، والمنطق يقول إن عليك دائماً أن تقلل الأعداء وتكثر من الأصدقاء، وعلى سيرة الأصدقاء فإنني لا أعرف لماذا غالباً ما ننساهم، وننسى تضحياتهم ومواقفهم معنا طوال 14 عاماً من هذه الحرب الفاشية على بلدنا، وكثير من السوريين قد لا يعرفون عمن أتحدث، وسأكون واضحاً بالقول: إن هؤلاء موجودون داخل تركيا ولديهم حزب اسمه «حزب وطن» بزعامة السياسي المخضرم دوغو بيرنتشيك إذ وقف هؤلاء منذ بداية العدوان علينا مع سورية كدولة وجيش وشعب وقائد، وكانت صحيفتهم وقناتهم التلفزيونية تعمل ليل- نهار لفضح المخطط الذي يستهدف سورية، ففي عام 2011 هاجم شباب الحزب المؤتمرات التي عقدت في تركيا لرعاية المنظمات الإرهابية التي كانت تمول آنذاك من الناتو وحلفائه، وفي عام 2012 أتى شباب هذا الحزب إلى سورية، وشاركوا في المسيرات المؤيدة للدولة، كما أجرت قناة «أولوصال» عام 2013 لقاءً شهيراً مع الرئيس بشار الأسد أثار ضجة هائلة في تركيا، واستفز كثيراً من الأطراف المتورطة في الدم السوري، ومع ذلك دافعت القناة عن هذه المقابلة، معتبرة أن الرئيس الأسد أجاب عن كل الأسئلة التي طُرحت عليه بثقة وقوة وانفتاح وحرية، في حين تحدوا آنذاك أحمد داود أوغلو أن يأتي إلى القناة ليجيب عن أسئلتها! أتى آنذاك الصحفيان اللذان أجريا المقابلة، وهما مهددان بالسجن، وفي عز الاشتباك مع النظام في تركيا، وحقيقة الأمر أنهما كانا مناضلان صحفيين حقيقيين، في تلك المهمة.
في عام 2014 ترأس بيرنتشيك وفداً حزبياً تركياً ضم شخصيات من أحزاب مختلفة، ومنهم أحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية عبد اللطيف شنر الذي ترك الحزب بسبب اكتشافه المؤامرة على سورية، وكان نائباً لرجب طيب أردوغان في الحكومة، وإضافة له النائبة إيمان غوللر عن حزب الشعب الجمهوري التي طردت من الحزب لاحقاً بسبب زيارتها سورية، وفي ذلك العام التقى هذا الوفد مع الرئيس بشار الأسد ومع قيادات سورية مختلفة، وعبّروا عن وقوفهم مع سورية.
لم تتغير مواقف هؤلاء طوال 14 عاماً، ولم يبيعوا أو يشتروا أبداً بسبب بسيط أنهم وطنيون، ومعادون للمشروع الأميركي- الغربي على دول وشعوب المنطقة.
لقد سجن بيرنتشيك 7 سنوات مع عدد كبير من القيادات التركية المدنية- والعسكرية في مؤامرة كبيرة عرفت باسم «إرغينيكون»، وكان الهدف الإطاحة بكل الذين يعارضون مشروع الشرق الأوسط الكبير في تركيا.
إذا وسعنا الدائرة أكثر فسنجد أيضاً حزب تركيا المستقلة وزعيمه الراحل حيدر باش، وحالياً ابنه حسين باش وهؤلاء يمتلكون 9 محطات تلفزيونية، ولديهم تأثير قوي جداً في الوسط المتدين والمحافظ، وكان موقفهم مدافعاً قوياً عن سورية طوال فترة الحرب، ومع هؤلاء هناك الحزب الشيوعي التركي بزعامة كمال أوقيان، وحزب «عطا» أي حزب «الجد» بزعامة نامق كمال زيباك، وحزب تحرير الشعب بزعامة نور اللـه أنقوط، إضافة إلى تيارات اجتماعية وثقافية عديدة.
حتى حزب الشعب الجمهوري المعارض فإن قاعدته الحزبية مع 50 بالمئة من نوابه مع سورية، لكن الخطورة تكمن في مفاصل قيادية لديه ذات ارتباط خارجي، وأما حزب «الرفاه من جديد» بزعامة فاتح أربكان فهو حزب من إرث والده نجم الدين أربكان، ويمكن العمل عليه ومعه في المرحلة القادمة، ولا يخفى أبداً أن هناك نُخباً حتى داخل الحزب الحاكم حزب العدالة والتنمية منطقية وموضوعية ويمكن التعاطي معها مستقبلاً.
ما أود قوله باختصار شديد:
– لا تضعوا كل القوى السياسية في تركيا في سلة واحدة.
– إكثار الأصدقاء ودعمهم وعدم الانقطاع عنهم.
– تقدير هؤلاء لمواقفهم مع بلدنا في أصعب مرحلة من تاريخنا، ذلك أن الوفاء سمة أساسية من سمات السوريين.
– حتى لو فتح مسار العلاقات مع تركيا، وعادت الأمور إلى مجاريها، علينا ألا نضع البيض في سلة واحدة، وأن ننفتح على كل التيارات والقوى السياسية.
– يجب أن يعرف الرأي العام السوري أن تركيا لا يمكن اختصارها بشخص الرئيس التركي أردوغان لأن فيها قوى سياسية واجتماعية وطنية تواجه مشروع الهيمنة الأميركي- الغربي، كما نواجهه نحن، وتقرأ وترتب وتستنتج، صحيح أنها ليست ممثلة في برلمان وأجهزة السلطة الحاكمة، لكنها قوى فاعلة ومؤثرة في الساحة التركية، وأعتقد أن الروس والصينيين والإيرانيين الذين يتواصلون معهم يدركون أهمية هذه القوى، وسبق للرئيس بشار الأسد أن أكد دائماً على العلاقة بين الشعبين وقواهما الحية والوطنية، فالشعوب هي الباقية والمستمرة.
لا تنسوا أن لنا أصدقاء ومحبين في تركيا وعلينا أن نشكرهم على مواقفهم التي يجب ألا تذهب طي النسيان في زحمة الأحداث.
كاتب سوري