قضايا وآراء

عقلية نتنياهو: لا اتفاق.. نعم مراوغة

| محمد نادر العمري

على الرغم من حالة التفاؤل التي سادت التصريحات الإعلامية خلال الأيام السابقة بعد تقديم الفصائل الفلسطينية وفي مقدمتها حركة حماس ملاحظات مكتوبة حول مبادرة الرئيس الأميركي جو بايدن لوقف إطلاق النار في غزة، إلا أن المعطيات والمؤشرات ولاسيما المرتبطة برئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، تدلل على عدم وجود بوادر إيجابية لاحتمال حصول اتفاق يفضي نهاية الأمر لوقف العدوان الإسرائيلي وفك الحصار عن القطاع وصولاً لإعادة الإعمار.

نقطتان أساسيتان هما اليوم من الناحية النظرية، تشكلان نقطة خلاف بين الكيان المستمر بعدوانه في ظل وجود سلطة يمينية متطرفة تفضل استمرار الخيار العسكري، لتصفية القضية الفلسطينية، وبين المقاومة وفصائلها التي تؤمن أن تقديم أي تنازل سياسي للكيان الإسرائيلي في ظل عجزه عن تحقيق أهدافه العسكرية، ستفضي لخسائر استراتيجية، تمكنت المقاومة وبيئتها الحاضنة من تحقيقها خلال الأشهر التسعة ما بعد عملية طوفان الأقصى.

أولى النقاط الخلافية تتمثل ليس بمطلب المقاومة الذي كانت سابقاً تصر عليه من خلال ربط إنجاز المرحلة الأولى بوقف العدوان على قطاع غزة، بل بتقديم تعهدات خطية من قبل الولايات المتحدة الأميركية والوسطاء الإقليمين، مصر وقطر، يضمن انتقال حكومة الكيان لتنفيذ المرحلة الثانية التي تستوجب الاتفاق على وقف إطلاق نار دائم بعد انتهاء المرحلة الأولى، من دون تحديد سقف زمني ولو استغرقت المحادثات خلالها أسابيع وربما أشهر، في حين تصر حكومة تل أبيب على عدم تقديم مثل هذه الضمانات سواء كانت مكتوبة أم شفهية.

ثاني النقاط الخلافية تلك المتجلية بموضع انتقاء أسماء الأسرى الفلسطينيين، من حيث العدد والمحكومية ونقاط خروجهم، حيث تصر المقاومة على مطلبها في انصياع الكيان لعدد الأسرى الذين تطالب بإخراجهم من المعتقلات الإسرائيلية مقابل الإفراج عن الأسرى الصهاينة لديها من الأحياء والأموات، وكذلك تتمسك بخروج الأسرى أصحاب الأحكام العالية، من قيادات حماس أو غيرها من الفصائل بما في ذلك القيادي في حركة فتح مروان البرغوثي، وتصر أيضاً الفصائل أن تقدم قوات الاحتلال الضمانات والتعهدات بعدم التدخل في وجهة هؤلاء، وعدم ملاحقتهم واعتقالهم مجدداً بعد تنفيذ التبادل، على غرار ما حصل مع الكثير من المعتقلين الفلسطينيين الذين تم تحريرهم في صفقات سابقة في مقدمتها صفقة «شاليط»، في حين ترفض حكومة الاحتلال هذه المطالب، ويروج بعض أنصار التيار اليميني المتطرف وقيادته بأن الامتثال لهذه الشروط يعتبر انتصاراً للمقاومة، ولاسيما أن خروج هؤلاء وعودتهم للنشاط المقاوم العسكري والسياسي، سيزيد المخاطر على أمن هذا الكيان.

إلا أن الموضوع وفق ما هو واضح، أبعد بكثير من الاختلاف حول بنود الاتفاق أو الاختلاف على ما يمكن تسميته الاتفاق الإطاري، بل العكس من ذلك، ولاسيما بعد ما قدمته المقاومة من مرونة، والمرونة هنا لا تتعلق بالمبادئ ومضمون الاتفاق، بل بتسهيل آليات التنفيذ، إذ وإن كانت الفصائل في المبادرات السابقة كانت تصر على التزام إسرائيل على وقف إطلاق نار دائم من المرحلة الأولى، إلى جانب الانسحاب الكامل من داخل القطاع، إلا أنه في ردها الأخير، استبدلت ذلك بتقديم ضمانات من حكومة الاحتلال والضامنين، لتنفيذ ذلك في المرحلة الثانية بعد التباحث بمفاعيلها خلال المرحلة الأولى، وهو ما يدعونا للسؤال لماذا كان رد المقاومة وفق هذه الصيغة؟

الجواب على ذلك يكمن في مسارين، أو أحد الاحتمالين، أو كليهما، الأول بأن المرونة التي أبدتها المقاومة هدفها رمي الكرة للملعب الإسرائيلي، اقتناعاً منها بأن نتنياهو سيسعى بكل الأحوال، لعدم الالتزام بأي اتفاق يفضي لإنهاء العدوان على قطاع غزة، لأن ذلك سيؤدي إلى انتهاء حياته السياسية ومواجهة القضاء والسجن، وبالتالي فإن المقاومة مارست من خلال مرونتها تكتيكاً سياسياً، يجنبها الادعاءات والاتهامات الغربية والإسرائيلية المستمرة حول تحميلها مسؤولية عرقلة أي اتفاق، وفي الوقت ذاته تزيد من تأزيم وضع نتنياهو داخلياً وإظهار نياته الحقيقية من حيث التضحية بكل الأسرى في سبيل بقائه بالسلطة.

الاحتمال الثاني، يتعلق برغبة المقاومة في إيجاد حل عبر مسار متكامل لوقف العدوان على غزة، وخاصة مع تزايد معاناة أهالي القطاع، واتساع حجم مخاطر انتشار المجاعة والأوبئة،

وما يؤكد على عدم وجود نيات ورغبة من قبل نتنياهو لوقف العدوان على قطاع غزة، وهو ما يعني صعوبة التوصل لاتفاق خلال المرحلة المقبلة، للعوامل التالية:

1- مضمون ودلالات البيان الإعلامي الذي صدر عن مكتب نتنياهو يوم الأحد الماضي، والذي جاء فيه: «إن المقترح الذي وافقت عليه إسرائيل يسمح بعودة المحتجزين من دون التنازل عن أهداف الحرب، وأن أي صفقة يجب ألا تسمح بتهريب السلاح لحماس عبر الحدود مع مصر، ولا بعودة آلاف المسلحين إلى شمال غزة، كما أن إسرائيل تريد التأكد من قدرتها على استئناف الحرب إن لم تنفذ حماس التزاماتها»، هذه النقاط جميعها تشكل ألغاماً حقيقية تؤدي لتفجير أي اتفاق، فلا يمكن للمقاومة القبول بمنح الكيان ورقة الأسرى في المرحلة الأولى كما يسعى نتنياهو، من دون أن تكفل تطبيق باقي المراحل، لأن إنجاز صفقة التبادل في المرحلة الأولى ستدفع نتنياهو لاستكمال الحرب من دون الالتزام بتطبيق باقي المراحل لذلك تصر المقاومة على الضمانات المكتوبة، في حين أن الإشارة للنقطة الثانية تعني توجه إسرائيل وتمسكها برؤية إدخال قوات عربية إلى قطاع لمراقبة نشاط المقاومة وإدارة المرافق العامة بما في ذلك معبر رفح، وهو ما ترفضه المقاومة بشكل قاطع، أما النقطة الثالثة، فهي إقرار ضمني باستكمال مشروع التهجير والتغيير الديموغرافي الذي تسعى تل أبيب لتطبيقه في غزة.

2- إقدام نتنياهو على إيفاد رئيس الموساد ديفيد برنياع، إلى العاصمة القطرية للرد على الملاحظات التي تلقتها تل أبيب من المقاومة، من دون إشراك واستشارة قيادات الجيش ووزير الدفاع، هدفه سعي نتنياهو للاستفراد بمسار صنع واتخاذ القرار فيما يتعلق بموضوع قرار الحرب والسلم في غزة، لذلك يسعى لإبقاء كل النقاط طي الكتمان وبإدارته منفرداً، بهدف اتهام المقاومة فيما بعد وتحميلها مسؤولية إخفاق تطبيق الاتفاق لتخفيف حجم الضغوط الداخلية والخارجية عليه.

3- سير نتنياهو عكس التيار السياسي العسكري والشعبي، وهذا يتجلى في اتساع حدة الخلاف بين الأخير والمؤسسة العسكرية ووزير الدفاع، وعدم إنصاته لقيادة الجيش الإسرائيلي، التي تطالب بالتوصل لأي اتفاق، معتبرة أن «ما يجري هو فرصة للتوصل إلى صفقة جيدة، لكون الحرب على حماس تحتاج إلى سنوات طويلة» وفق ما أعلنته «القناة 14» العبرية، التي نقلت عن صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية تأكيدها وجود ضغوط تمارسها المؤسسة الأمنية الإسرائيلية على الحكومة للتوصل إلى اتفاق نتيجة التغير في حسابات المعارك، وتقدير المؤسسة الأمنية بأن مكاسب مواصلة القتال ضئيلة للغاية، وقد تكون سلبية، إضافة لتجاهل نتنياهو تعهد زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد بمنحه ما سماها «شبكة أمان برلمانية» في حال موافقته على إبرام صفقة تبادل الأسرى المحتملة مع فصائل المقاومة الفلسطينية، بما يضمن له البقاء في السلطة حتى لو نفذ كل من وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير وعيدهما بالانسحاب منها بسبب توقيع أي صفقة.

على الرغم من تأييد 67 بالمئة من الإسرائيليين لعقد صفقة تتضمن استعادة الأسرى، وفق استطلاع أجرته «القناة 12» بداية الأسبوع الحالي، إلا أن نتنياهو سيبقى يراوغ ويناور حتى موعد إلقاء كلمته في الكونغرس الأميركي المقرر في الـ 24 من الشهر الجاري، لاستجلاب المزيد من الدعم الأميركي من جانب، وللتملص من الضغوط التي تمارسها عليه إدارة بايدن من جانب آخر، كما أن هذه المماطلة هدفها سعي نتنياهو لتجاوز 27 الشهر الحالي، وهو موعد العطلة الانتصافية للكنيست الإسرائيلي، أي يكون بذلك نتنياهو قد ضمن بقاءه في السلطة ثلاثة شهور على الأقل من دون وجود مخاوف لاستقالة الحكومة أو إقالتها من الكنيست، وهو المسار الذي يراهن عليه نتنياهو على أمل عودة الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية دونالد ترامب للسلطة مجدداً.

كاتب سوري

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن