معضلة الهوية
| حسن م. يوسف
«الهوية هي حلبة الصراع الحقيقية بيننا وبين العدو»
قد يكون هذا الاستنتاج هو أخطر ما توصل إليه المفكر وعالم الاجتماع المصري عبد الوهاب المسيري (1938 – 2008) والمسيري هو مؤلف «موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية» التي تعتبر أحد أكبر الأعمال الموسوعية العربية في القرن العشرين.
لست أذكر متى ولا أين قرأت هذه الفكرة، لكنها قفزت إلى رأسي واستوطنته أواخر الشهر الماضي في حين كنت أغادر «الصالون الفكري الأدبي الذي يعقد جلساته في المركز الثقافي العربي في المزة الذي استضافني للحديث في جلسته السادسة عشرة عن «الهوية الثقافية ودور الأدب في تعزيز الانتماء».
افتتح الجلسة الشاعر إبراهيم منصور مدير المركز بطرح عدد كبير من الأسئلة المتعلقة بالهوية، ثم قدمت مداخلة أعربت فيها عن اعتقادي أن الهوية كائن حي، سواء كانت هوية فردية أم هوية وطنية، وهي مثل جميع الكائنات الحية، تنطوي على مكونات ثابتة وعلى مكونات متحولة، وكل شعب يقوم بترتيب مقومات هويته، من حيث المكانة والأهمية، وفق وعيه وظرفه التاريخي، وأشرت إلى أنه خلال الأزمات الطاحنة، كالتي نعيشها، نرى أن بعض الأفراد والجماعات يعلنون انتماءهم لجزئية متميزة من تاريخهم في محاولة للهروب من واقعهم المأزوم بغية التملص من مسؤولية تغييره.
والحق أن مسألة الهوية تتصادى في ذهني مع معضلة سفينة البطل الإغريقي ثيسيوس الذي يعتبره الآثينيون بطلهم المؤسس. خلاصة الأسطورة أن ثيسيوس انطلق على متن سفينته لمحاربة أعداء بلاده، وعندما عاد منتصراً مجده الناس وقرروا تخليد سفينته صانعة النصر من خلال حفظها كما هي.
مع مرور الوقت بدأت ألواح السفينة تتآكل، فراح الناس يستبدلون الألواح التالفة بأخرى جديدة. وبمرور الأعوام لم يبق من السفينة الأسطورية، أي قطعة من خشبها الأصلي. وهنا وجد الناس أنفسهم أمام السؤال المعضلة: هل السفينة لا تزال هي نفسها سفينة ثيسيوس، مع أن كل الخشب الأصلي للسفينة لم يعد موجودًا؟ وإذا كانت السفينة المرممة ليست هي سفينة ثيسيوس، ففي أي مرحلة فقدت السفينة هويتها؟ هل فقدتها عندما استبدل أول لوح مهترئ منها أم متى؟
ولا تنتهي أسئلة معضلة سفينة ثيسيوس عند هذا الحد: فلنفترض أن شخصاً ما قام بجمع كل الأخشاب الأصلية المتآكلة من سفينة ثيسيوس، وصنع منها سفينة جديدة. هل يمكن القول: إن هذه السفينة الجديدة هي سفينة ثيسيوس الأصلية؟ وفي الختام أي من السفينتين هي الأقرب إلى سفينة ثيسيوس الحقيقية؟ السفينة التي صنعناها من خشب السفينة الأصلي المتآكل، أم السفينة التي رممناها على مر الأعوام ولم يبق من خشبها الأصلي شيء؟
يؤكد العلماء أن ملايين الخلايا في جسم الإنسان تموت يوميًا وأنه يتم استبدال الخلايا (التالفة) بخلايا جديدة. فهل يغير هذا هوية الإنسان صاحب ذلك الجسد؟ وكيف ومتى يتم ذلك؟ وهذا السؤال يقودنا إلى سؤال أكثر وجودية: ما العوامل التي تصنع هويتنا حقًا؟ وبما أننا نتغير باستمرار، ففي أي نسخة منا تكمن حقيقتنا؟
أصارحكم أنني قد طرحت هذا السؤال على نفسي منذ أعوام عديدة وخلصت إلى أن هويتي عربية سورية، وأنني أعتبر نفسي الوريث الشرعي لكل الحضارات التي ولدت وتفاعلت وانطلقت من الأرض السورية وتركت بصمتها عليها.
فما رأيكم أنتم، دام فضلكم؟