من دفتر الوطن

بلاش عتاب!

| عصام داري

نعتب على بعض الأقارب والأصدقاء والأحبة إذا اعتقدنا أنهم مقصرون في حقنا، وخاصة في المرض والأحزان والمشاكل والهموم التي نتعرض لها، وما أكثر الهموم والمشاكل. وأنا اليوم سأتقمص شخصية الخبير في الشؤون الاجتماعية وعلم النفس، وسأقدم «دراسة!» عن موضوع العتب، وما حدا أحسن من حدا!.

أول نتيجة توصلت إليها في دراستي هذه التي أقدمها مجاناً كرم لعيون البشرية، أن من يعتب على الآخرين يضع نفسه مباشرة في خانة الضعيف، أي يصبح الحلقة الأضعف، لأنه بصراحة يستجدي المواقف والعواطف، في زمن عزت فيه هذه وتلك. فلا أحد في هذه الأيام الغبراء السوداء يهتم لمشاعر وأحاسيس الآخرين، ولا أظن أنني مضطر للقول إنني لا أعمم، لكن الأغلبية تنطبق عليهم هذه القاعدة مع الأسف الشديد.

النقطة الثانية أننا ننسى في لحظة زعل وعتب مواقف المساندة والمساعدة والدعم الذي قدمه لنا الآخرون طوال حياتنا ولا نذكر إلا أنهم قصروا بحقنا مؤخراً، أي إننا قد ننسف في هذه اللحظة بالذات صداقة عمرها سنوات، أو نعرضها للاهتزاز وربما الكسر، ما سيجعلنا نخسر كثيراً في حياتنا، فنحن نحتاج إلى سنوات طويلة كي نكون صداقات حقيقية، وأنتم تعرفون المثل الذي يقول إن المستحيلات ثلاثة: الغول والعنقاء والخل الوفي.

ثم علينا أن نجد العذر والمبرر لمن نتهمهم بالتقصير ونعتب عليهم، وندرك أن الناس تعاني ضغوط الحياة والمشاكل والهموم والمشاغل، وأنا شخصياً قد لا أجد الوقت الذي أستطيع فيه رفع سماعة الهاتف لأطمئن على قريب أو صديق، قد تكون معاناتي ومشاكلي أكبر من معاناته ومشاكله وهمومه.

اليوم غير الأمس، وإذا كانت العلاقات الاجتماعية والعائلية والأسرية وعلاقات الجيرة في السابق مثالاً للتكافل والتعاون والتكامل الاجتماعي، فإننا اليوم أمام صورة مغايرة تماماً، فنحن هذه الأيام لا نعرف من التواصل الاجتماعي إلا الفيس والواتس وأخواتهما، وهي في حقيقتها وسائل تباعد وإن كانت نظرياً تربط الناس بعضها إلى بعض، ولكن فقط على الشبكة العنكبوتية. المهم، علينا أن نفهم مفهوم العتب والزعل على حقيقته، من حلال الرحابنة وبصوت فيروز إذ تقول الأغنية: ما سألتوا علينا زعلنا كتير، وع قد المحبة العتب كبير، ومع ذلك أنا عند موقفي الذي تبنيته في هذه الدراسة العصماء، فمن الأفضل أن نبتعد عن العتب كي نستعيد عناصر قوتنا التي فقدناها عندما أعلنا العتب ووضعنا أنفسنا في موضع الضعيف.

معلومة ليس لها علاقة بدراستي عن العتب: فأغنية فيروز «عتاب» كانت جواز سفرها إلى العالم العربي، هذه الأغنية سجلت في الإذاعة اللبنانية عام 1952 لكنها لم تلق النجاح المطلوب، وعادت وسجلتها في إذاعة دمشق عام 1953 فوصلت إلى أقصى المغرب العربي: وحاجة تعاتبني يئست من العتاب. أخلص إلى نتيجة واحدة تلخصها أغنية عبد الحليم حافظ واخترتها عنواناً لزاويتي هذه وهي: بلاش عتاب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن