ثقافة وفن

لماذا يتم اللجوء إلى الغرب في استنساخ برامجهم وتقديمها عربياً؟ … هل البرامج المقتبسة حالة صحية جيدة أم دليل نضوب الأفكار والإبداع العربي؟

| مصعب أيوب

طغى مؤخراً على الشاشات العربية الكثير من البرامج الحوارية وبرامج المسابقات والمقالب وغيرها من البرامج التي لاقت رواجاً كبيراً وانتشاراً واسعاً لدى الجمهور اتفقنا معها أم لم نتفق، إلا أن نسبة لا بأس بها من هذه البرامج مقتبسة من برامج تحمل جنسيات بلدان أجنبية، وهي برامج مستنسخة وتتم إعادة هيكلتها وتوليفها بنكهة عربية، وقد كان من بعض هذه البرامج من سيربح المليون الذي قدمه الإعلامي جورج قرداحي ومنها أيضاً وزنك ذهب الذي قدمه الفنان أيمن زيدان، ومنها آرب جوت تالنت وسوبر ستار وستار أكاديمي وإكس فاكتور، وذا فويس القادم إلينا من هولندا، وآرب أيدول الإيطالي، وغيرها الكثير من البرامج التي اقتبست من محطات أجنبية.

تقليد أعمى

ربما يشكل ذلك دليلاً على وجود إفلاس فكري أصاب الأدمغة، على حين أن البعض يعد هذا الاستنساخ انفتاحاً على ثقافات شعوب أخرى واندماجاً ثقافياً، ولكن البعض يقوم بتقليد تلك البرامج بطريقة عمياء، وإضافة للاستنساخ يتم التقديم بالطريقة والحوار ذاتهما وحتى إنك لن ترى فروقاً ما بين الديكورات ولقطات الكاميرا والإضاءة وحتى الإخراج، وهو ما يوقع البرنامج في هاوية الفشل، ولاسيما إذا ما قام المتابع بعقد مقارنة بسيطة بين المحتوى الأصلي والمقتبس، فيتجاهل القائمون على تلك البرامج أن المتلقي اليوم لم يعد مشاهداً عادياً، بل هو إنسان واعٍ مثقف مطلع ولا يمكن خداعه بسهولة، وربما لا يمكننا أن نفرض عليه برنامجاً مقلداً بأكمله، ليكتشف المتلقي وجود الكثير من العيوب وبالتالي يزعزع ذلك من ثقته في محتوى الوسيلة بشكل عام وربما يعرض عنها.

عادات وقيم أصيلة

بعض تلك البرامج تلقى رواجاً لدى فئة عمرية معينة ولكنها تلقى عزوفاً لدى الفئات الأخرى، إذ تصنف على أنها تخرب العقول والأدمغة والقيم، وهو ما نعت به كثير برنامج ستار أكاديمي، ولكن حجة أصحابه ربما أن الشائع من بين وظائف وسائل الإعلام التسلية والترفيه بحيث عليها أن تقدم للجمهور ما يسعدهم ويمتعهم، ونحن بالطبع لا نحكم أنه من المعيب الاستفادة من تجارب الآخرين ولكن لا بد من الحذر والانتقاء والنظر ملياً في طريقة التقديم ولا بد من الحفاظ على أصالتنا الفكرية وحضارتنا وتراثنا، فالاستيراد العشوائي للأفكار بالطبع سيعود بنتائج غير مرضية، بحيث إن هناك نسبة كبيرة من تلك البرامج يتم تقليدها طبقاً للنسخة الأصلية بما لا يتناسب مع مجتمعاتنا العربية وقيمنا وعاداتنا، وقد كان أبرزها برنامج «نقشت» الذي قدمه اللبناني فؤاد يمين الذي غلب عليه الطابع الترفيهي من خلال إقامة علاقات حب ومواعيد غرامية على الهواء مباشرةً أمام الجميع، فيشارك فيه مجموعة من الرجال، يستعرض الشاب من خلال الحلقة بنيته الجسدية وقوامه وأزيائه وأناقته ومواهبه لينال إعجاب إحدى السيدات الثلاثين في الإستوديو ويظفر بحبها وبالتالي يضرب موعداً غرامياً معها، فهل عرض كهذا يتلاءم مع مجتمعاتنا العربية ويتماشى مع ما تربينا عليه؟

فمعظم أفكار برامجنا نأتي بها من الغرب الذي لا يحتكم إلى عرف أو دين أو عادات، وكل شيء عنده متاح ومباح، فهم بارعون بالابتكار وخلق الأفكار الجديدة وإبداع برامج متنوعة ونحن متميزون في تقليدهم، وبتنا عاجزين عن ابتكار أي برنامج بأفكار محلية عربية ونسعى لتحقيق النجاح والربح المادي باستثمار أفكار الغرب.

كسل واستسهال

ثم لماذا لا يقلد الغرب العرب ببرامجهم وأفكارهم؟ ربما لو تمعنت قليلاً بسؤال كهذا لوجدت أن جوابه مضحك، فالعرب لا يملكون شيئاً يمكن للغرب الاستئناس به أو تقليده برامجياً، وهذا لا ينفي بالتأكيد غياب الإبداع والموهبة والأفكار المتنوعة لدى فئة الشباب العربي وأنه من الممكن طرح الكثير والكثير من الأفكار الجديدة، ولكن الكسل والاستسهال واعتماد النجاح الغربي للبرنامج ربما يدفع بالقائمين على صنع المادة البرامجية إلى تبني أفكاراً أجنبية حققت نجاحاً مسبقاً، وبالتالي يشكل ذلك بداخلهم إيماناً بأن تقليدها وتقديمها سوف يضمن النجاح والعائد المادي المرجو، ولكن ربما نسي هؤلاء أن العمود الفقري للرسالة الإعلامية هو الإبداع الفكري والابتكار والتجديد، فأين رسالتهم في ذلك؟

رحيل أصحاب الإبداع

عملية ابتكار أفكار جديدة ليست سهلة بل إنها مهمة صعبة جداً، فمن غير الممكن لدى أي محطة تلفزيونية استيعاب وجود برامج غير ناجحة بالمستوى المطلوب وهو ما يؤثر سلباً في المعلن التجاري في المحطة بعد أن يقوم المتلقي بتغير القناة بضغطة زر.

ربما من الممكن أن يعد ذلك الاستنساخ علامة واضحة تشير إلى تبعية الخطاب الثقافي العربي وتخبطه، ولاسيما بعد أن تهاوت وسقطت الحصون والقلاع الإبداعية العربية في المشهد الثقافي كله، ورحيل أهم المبدعين في المسرح والشعر والأدب والرواية والتأليف وغير ذلك وهو ما أفسح المجال للعبث والفوضوية بتسيد الموقف.

ولكن هل يجب أن نحمّل المسؤولية كاملة للقائم على صناعة المادة البرامجية؟ ولاسيما في ظل الطفرة التكنولوجية وسيطرة مواقع التواصل الاجتماعي بحيث أُفسح المجال للمتلقي للوصول إلى محتويات عديدة ومتنوعة ويقوم باختيار ما يريد من المحتوى لمتابعته بصورة أوسع وأشمل، وعليه فإن المسؤولية يتحملها الجميع حتى متلقي الرسالة الإعلامية.

الليلة دوب

بعض تلك البرامج حقق نسب مشاهدة عالية يعود بحيث إنها لم تخض في فضائح وقضايا شخصية وهو ما يميز برنامجنا الجديد اليوم «الليلة دوب» الذي انطلق عرضه قبل نحو شهرين بواقع حلقة واحدة كل أسبوع والذي تألق فيه النجوم السوريون إذ يقدمه الفنان المصري حسن الرداد متوسطاً الفريقين المتنافسين بأزياء وإكسسوارات غريبة بعض الشيء ضمن قالب تشويقي وممتع متأثراً بالنسخة الأجنبية من البرنامج الذي يحمل اسم That›s my Jam بعد أن قدمه الأميركي جيمي فالون، وهو برنامج قائم على التسلية والمسابقات والمنافسات اللطيفة ليضم مجموعة من فناني ومؤثري العالم العربي، فيغلب على البرنامج طابع الأسئلة والاختبارات الثقافية والغنائية وهي تعتمد على سرعة البديهة وتظهر صاحب الموهبة والثقافة وبالتالي يحظى بالفوز من يستطيع جمع أكبر عدد من النقاط، وتقوم كل حلقة على وجود فريقين اثنين كل فريق مؤلف من شخصين فيختبر قدراتهم العقلية وحنكتهم في إيصال أفكارهم أو أجوبتهم من خلال الدلالات والإيحاءات.

ضيوف البرنامج

وقد جمع البرنامج في أولى حلقاته نجمي المسلسل المعرب عن الدراما التركية «الخائن» السوريين قيس شيخ نجيب ومرام علي ليواجها اللبنانيين ريتا حرب وكارلوس عازار.

وفي الحلقة الثانية من البرنامج فريق ضم باسم ياخور وأمل بوشوشة في مواجهة مهند الحمدي ويارا مصطفى.

وقد جمعت الحلقة الثالثة في قائمة ضيوفها اللبنانيتين دانييلا رحمة وورد الخال في مواجهة الكوميدي المصري شادي الفونس والممثل المصري خالد منصور.

ومن النجوم الذين شاركوا في الحلقات الماضية اللبنانية باميلا الكيك والممثل الشاب خالد شباط من سورية في منافستهم مع الفنان المصري أحمد زاهر وابنته ليلى.

وفي حلقة أخرى تواجه كل من الممثلين اللبنانيين بديع أبو شقرا ورولا بقسماتي مع المغني الشاب المعروف بالسيلاوي والأردنية أندريا.

في حلقة أخرى اجتمع فريق اللبنانيين جوزيف عطية وزينة مكي ضد فريق المغني «أوبو» والمغنية اللبنانية مارلين نعمان، لنجد أن البرنامج يقوم على استثمار أسماء نجوم الدراما والسينما الناجحين.

تسلية وترفيه

الجميل في «الليلة دوب» أنه لا وجود لضيف ضعيف والكل متمكن ويسعى للصدارة وقد امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بمقتطفات من البرنامج بعد أن راح الرداد يشعل الأجواء ويحمس ضيوفه، فلا مكان للجلوس والاسترخاء والأجواء مشحونة بطاقة عالية من النشاط واللعب والحركة

وقد لاقى البرنامج إقبالاً كبيراً ونسب مشاهدة عالية منذ حلقاته الأولى، وربما ذلك يرجع إلى أسماء النجوم الكثيرة التي يستضيفها البرنامج وكذلك لوجود نسبة عالية من المرح والترفيه فيه في ظل ما تعيشه المنطقة من توترات وصراعات، فهو يبتعد عن برامج الحوارات والجدية والفضائح التي يستسهلها كثير من المحاورين أو مقدمي البرامج، أو ربما تسهم في حصول برامجهم على «التريند»، فلا يتطرق إلى حشر الأنف في خصوصيات الضيوف ولا يتلذذ بالتشفي من فنانين آخرين بما يقال على لسان ضيوفه، كما أنه بعيد عن الحديث عن متاعب الفن وسلبيات المهنة، ويداعب الطفل الصغير الذي يسكننا ويخرجه من داخلنا ليفتح مناورة تنافسية معه فيصبح شريكاً في اللعبة دون أن يدري، ولأنه برنامج ترفيهي ويجمع عدداً من نجوم الفن فمن الطبيعي أنه يبتعد عن السياسة أو زج السجالات والمهاترات التي لن تجدي نفعاً بين الضيوف.

تساؤلات

ولكن تبقى الأسئلة مطروحة: ما سبب اللجوء إلى تبني فكرة برنامج من منشأ غربي؟وهل تعد هذه البرامج رديفة لسياسات وتوجهات إعلامية تبنتها المحطة العارضة؟

هل ظاهرة الاستنساخ البرامجي تعد دليلاً على الإفلاس الفكري؟

لماذا لا تراعى قيمنا وعاداتنا في انتقاء نوعية وبنية تلك البرامج عند الاقتباس؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن