من مجزرة المواصي إلى مجزرة الشاطئ.. استثمار الدم لأهداف سياسية
| محمد نادر العمري
على الرغم من الحديث المتداول ضمن أنباء الأخبار نقلاً عن لسان المسؤولين الإسرائيليين والأميركيين والإقليميين والدوليين حول اقتراب التوصل لصفقة تتضمن وقف إطلاق النار في قطاع غزة يتخللها تبادل للأسرى والبحث عن ترتيبات المراحل الأخرى بهدف وقف الحرب كلياً، أقدم ما يسمى «الجيش الإسرائيلي» بالتعاون مع أجهزة الاستخبارات وفي مقدمتهم «الشاباك» على ارتكاب مجزرتين متزامنتين في منطقتي المواصي بخان يونس ومخيم الشاطئ راح ضحيتها نحو 500 مدني، ما بين جريح وشهيد، أكثر من نصفهم من الأطفال والنساء.
المجزرتان اللتان تضافان لقائمة المجازر التي ارتكبها الكيان، وبلغت عددها مع الشهر العاشر لبدء العدوان 3379 مجزرة، أدت لسقوط نحو أربعين ألف شهيد، لم يكن هدفهما استهداف قياديين في فصائل المقاومة، هما قائد الجناح العسكري لحركة حماس في غزة محمد الضيف، ونائبه قائد لواء خان يونس رافع سلامة، كما ادعى بيان هذا الجيش، بل من خلال الربط بين توقيت وقوع هاتين المجزرتين والتطورات الميدانية والسياسية المترافقة، نصل لتأكيد بأن هدف القيام بهاتين المجزرتين هو هدف سياسي بحت، يمس ويتصل بمساعي رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لتحقيق أهدافه، سواء تلك المتعلقة ببقائه في السلطة من خلال تقديم نفسه للمستوطنين الصهاينة، على أنه المسؤول الوحيد القادر على الدفاع عن «أمن إسرائيل»، وإنه قادر فقط على اتخاذ قرارات مصيرية، أو بأهدافه المتمثلة في تخفيف الضغوط الداخلية والخارجية عليه لتنفيذ الصفقة التي لا يريدها نتنياهو من خلال خلط الأوراق وتعقيد مسار المباحثات، وهو ما أشارت إليه صحيفة «يديعوت أحرونوت» بأن «التقديرات الإسرائيلية تشير إلى أن المفاوضات بشأن صفقة وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى ستتوقف بعد مجزرة المواصي، على الأقل في المدى القريب»، أو بهدف تحسين شروط التفاوض عبر الضغط على المقاومة من خلال ارتكاب المزيد من المجازر، لزيادة عدد الضحايا والشهداء، لتقديم تنازلات سياسية على طاولة المفاوضات، عجز جيش الكيان وأجهزته الأمنية والعسكرية على تحقيقها بـ«القوة الفائضة» على مدى أكثر من عشرة أشهر، في ظل أوضاع إنسانية وصحية وخدمية متردية وسيئة.
عمدت إسرائيل عموماً، ونتنياهو بشكل خاص، من خلال ما تم ارتكابه من مجازر بحق البشر والحجر منذ بدء العدوان على قطاع غزة إثر عملية «طوفان الأقصى»، وتبني مقاربة «هانيبال» فيما يتعلق بمصير الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة، لتقصد الضغط على المقاومة في كل مرحلة من مراحل العدوان، إذ سارعت بعد كل مجزرة كانت ترتكبها بداية إلى تحميل مسؤولية هذه المجازر لقادة المقاومة، وهذا برز في تصريحات كل المسؤولين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين الذين كانوا يبررون مجازرهم بداية العدوان، من خلال تحميل السنوار والضيف وأبو عبيدة مسؤولية ذلك، في مؤشر لدفع أهالي غزة لتسليم هؤلاء، أو الوقوف ضد عمليات المقاومة أو بهدف دفعهم نحو تبني خيار الهجرة من القطاع، فيما بعد كان تبرير المجازر يرتبط بما تقوم به المقاومة من عمليات مقاومة، ثم تحميلها مسؤولية إخفاق المفاوضات، وصولاً لما يسمى تبني الخطة «ج» أي المرحلة الثالثة، والمتمثلة باستهداف قيادات المقاومة.
ولكن اللافت في كل ذلك، أمران، الأول أن هذه المجزرة جاءت بعد ساعات قليلة من جلسة الكنيست التي شهدت في أحد أجوبة وزير الدفاع يوآف غالانت، قوله: «سنحاسب الحيوانات البشرية»، إضافة للخطوط الحمراء التي أعاد نتنياهو التذكير بها أثناء خطابه بتخريج دفعة ضباط في قاعدة النقب، قبيل هذه المجازر بساعات حول مصير الاتفاق وشروط إسرائيل للوصول إليه، أما الأمر الثاني فهو بيان ما يسمى «الجيش الإسرائيلي» بعد مجزرة المواصي، والتي أعلن من خلالها استهداف الضيف وسلامة، إلا أنه ما لبث أن قام بسحب البيان بعد أقل من ساعة، مكتفياً بذكر استهداف قياديين من الإرهابيين وفق وصفه.
كما أن نتنياهو المثقل في جبهات المواجهة، أراد توريط المؤسستين العسكرية والأمنية، في مساراته، ولاسيما بعد اتساع رقعة الخلاف وتصاعد وتيرة الاتهامات بين هاتين المؤسستين مع نتنياهو، فضلاً عن أن المؤسسة العسكرية والأمنية فضلتا التوصل لاتفاق مع فصائل المقاومة، ومارستا ضغوطاً على حكومة نتنياهو المتطرفة، للوصول لمثل هذا الاتفاق، باعتبار أن استمرار الحرب لن يحقق لإسرائيل ما تصبو إله وفق ما سربته صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية عن هاتين المؤسستين، لذلك فإن اشتراك كل من الجيش والشابك بهذه المجازر وبإشراف من نتنياهو، هدفه توريط هذه المؤسسات الملطخة حتى النخاع بدماء الفلسطينيين، وتحميلها مسؤولية أي إخفاق عسكري وحتى سياسي له صلة بالمباحثات.
يمكن القول إن الدائرة المفرغة التي نجح نتنياهو في جر الجميع إليها، مازال يحدد معالمها مع طرح أي مبادرة، أو بالتزامن مع تصعيد الضغوط عليه، وفق الآتي:
1. تعقيد الشروط المقدمة من الكيان الإسرائيلي فيما يتعلق بالتوصل لصفقة تبادل أو تهدئة، كان آخرها الإصرار على تنفيذ صفقة جزئية تتعلق بتبادل الأسرى فقط، وعدم الموافقة على تقديم ضمانات تتعلق باستكمال المباحثات من أجل الوصول لوقف إطلاق النار، والتعنت بعد إطلاق الأسرى التي تطالب بهم المقاومة أو تحديد جهة خروجهم.
2. ارتكاب المجازر أو تصعيد العمليات العسكرية بشكل يجعل استمرارها حاجة وضرورة على المسار السياسي، كما حصل بعد مجزرتي المواصي ومخيم الشاطئ.
3. تبني رواية إفشال المقاومة لإنجاز صفقات التبادل، والترويج لها على المستويين الداخلي والخارجي، وربما هذا هو السبب الذي دفع صحيفة «هآرتس» لوصف نتنياهو بالكاذب والمراوغ.
ولعل أبرز الدلائل على أن هاتين المجزرتين، وربما غيرهما الكثير، مما قد يرتكب من هذا الكيان المغتصب، في ظل وجود حكومة متعطشة للدماء وصمت دولي فاضح، هدفهما هو سياسي، وليس عسكرياً يتمثل باغتيال قيادات عسكرية بارزة في المقاومة، والدليل على ذلك هو امتلاك هذا الكيان للأسلحة الذكية والنوعية والمتطورة، التي زودته بها الولايات المتحدة الأميركية من طائرات حربية ومسيرات وصواريخ، تمكنه من القيام بعمليات اغتيال للشخصيات التي يحددها، دون إيقاع هذا الحجم الكبير من الضحايا المدنيين، ولعل أبرز الأمثلة على مثل هذه الاغتيالات، تتمثل في اغتيال نائب حركة حماس صالح العاروري في شقة سكنية بالضاحية الجنوبية في بيروت، والشهيد أبو نعمة ناصر قائد وحدة عزيز وهو في سيارته، والمستشارين الإيرانيين في مبنى القنصلية بدمشق، وغيرهم الكثير.
كاتب سوري