الهادي آدم وقصيدة «أغداً ألقاك» لأم كلثوم شهرة تجاوزت الحدود … تنوعت أعماله الأدبية وكانت شهرته بالأغنية الوحيدة
| أنس تللو
ما من أحد لا تتمايلُ نفسهُ نشوةً، وتهتزُّ مشاعرُهُ طرباً وهياماً حين يستمعُ إلى الأشعار التي تقول:
أنتَ يا جنةَ حبي واشتياقي وجنوني
أنت يا قبلةَ روحي وانطلاقي وشجوني
أغداً تشرقُ أضواؤُكَ في ليل عيوني؟
هذه العباراتُ الساحرةُ هي جزءٌ من أغنيةِ (أغداً ألقاك) التي طارت في الآفاقِ بجناحين من صوتٍ مبدعٍ خلَّاقٍ ولحنٍ عذبٍ شجي، فقد غنَّتها كوكبُ الشرقِ أم كلثوم، ولحَّنها موسيقارُ الأجيالِ محمد عبد الوهاب، إلا أن الشاعرَ الذي أتحفَنَا بهذهِ الكلماتِ الراقيةِ الأنيقةِ لم يكن معروفاً وقتها، ولم تكن قصةُ كتابته لهذه القصيدة متداولة.
ولد الشاعر الهادي آدم في السودان، ودرس في الجامعة المصرية وحصل على درجة الليسانس في اللغة العربية وآدابها، ثم دبلوم عال في التربية من جامعة عين شمس، ثم الدكتوراه الفخرية من جامعة السودان.
وقد درَّس في عدة مدارس في السودان، وأشرف على عدة جمعيات أدبية، وكان من أوائل الشعراء الذين ساهموا في نهضة الشعر في السودان، وقد بلغ في أدبه وشعره شأواً كبيراً، حتى أن النقاد في السودان يعتبرونه في مصاف الشعراء الكبار، ليس على مستوى السودان، وإنما على مستوى العالم العربي.
له شعرٌ وافرٌ ودواوين كثيرة، من أشهرها ديوان (كوخ الأشواق)، وهو ليس شاعراً فقط، إذ له أعمال عديدة في مجالات الإبداع الأدبي الأخرى، ومن أشهر ما كتب مسرحية باسم (سعاد).
أما قصيدته الأشهر (أغداً ألقاك) فإن لها قصةً عاطفيةً بديعة، كلماتها تتأرجح بين الأمل والتفاؤل وبين الخوف الشديد والشوق العميق، ذلك أن الهادي آدم في أثناء دراسته الجامعية في مصر، قد أحب طالبة مصرية من عليَّةِ القوم الأثرياء، وحين تخرجا، تقدم إلى أسرتها طالباً الزواج منها، لكن طلبه قوبل بالرفض الشديد من رب الأسرة، فحاول كثيراً إرسال وسطاء لإقناع الأب بتزويج ابنته منه، لكن الأب الثري رفض بشدة تزويج ابنته من طالب فقير متخرج من الجامعة حديثاً.
ازداد آدم تعلقاً بعشيقته، وكانت هي تبادله حبا بحب، وتشاطره ولهاً بوله، لكن القدر لم يشأ، وتقطَّعت بينهما المسافات.
إثر ذلك حزم الشاعر الحزين أمتعته عائداً إلى السودان، واعتكف وحيداً مع حزنه لا نديمَ له إلا ظلال محبوبته.
وتقول الرواية إن هذا الشاعر المكلوم، كان دائماً يركن في أحد الأمكنة إلى شجرة كبيرة، ويعتبرها صديقاً له يبثها همومه ويستمع إلى نجواها، وكانت هذه الشجرة تلهمه الكثير من الأشعار الممتعة البديعة.
وتمضي السنون والفتاة ما يزال شوقها يدفعها إلى محاولة إقناع أبيها بأن يقابل هذا الرجل، وأن يحكم عليه بعيداً عن المظاهر والثراء… ومن مِتَعِ القدر بعد طول عناء أن وافق الوالد على هذا اللقاء، وعلى الفور أرسلت له عشيقته رسالة تعلِمُهُ فيها بهذه الموافقة الممتعة، وحينما علم الشاعر بهذا اللقاء المرتقب غمرته فرحة كبرى، ولم ينم طول الليل، وظل قلبه معلقاً بما سيلقاه، وسارَعَ إلى حزم أمتعته عائداً إلى القاهرة، وقبل أن يرحل توجه إلى صديقته الشجرة لتشاركه فرحته وجلس تحت ظلها، فتعارضت في قلبه مشاعر عديدة، فهو خائف من الغد ومتشوق له، فواتته القريحة على أشد ما تكون، فكتب (أغداً ألقاك)، ليجمع بها بين الأمل العميق وبين الخوف الشديد، فكانت الكلمات تتلألأ في القصيدة في وصف فتان بديع لنفسه ولمحبوبته كأنها عقد من الألماس رُصِف على جيدِ فتاةٍ حسناء، وكانت قصيدته كأنها قصة شعرية كاملة تضم في أبياتها كل أنواع العشق الوجداني العميق، وتصل بالمشاعر إلى أعلى درجات الوله والولع والهيام، ومنها يقول:
أغداً ألقاك؟ يا خوفَ فؤادي من غدي
يا لشوقي واحتراقي في انتظارِ الموعدِ
وتراه تارة يتحدث عن فرحته، وأخرى عن قلقه مما ينتظره في غده:
آهٍ كم أخشى غدي هذا ؛ وأرجوهُ اقترابا
كنتُ أستدنيهِ لكن هبتُهُ لـمَّا أهابا
ولعلَّهُ من أمتع ما في الأغنية وصفُهُ المبدع لمحبوبه وتشبيهه بالطبيعة، إذ يقول:
هذهِ الدنيا كتابٌ أنتَ فيه الفِكَرُ
هذهِ الدنيا ليالٍ أنتَ فيها العمرُ
هذه الدنيا عيونٌ أنتَ فيها البصرُ
هذه الدنيا سماءٌ أنتَ فيها القمرُ
فارحمِ القلب الذي يصبو إليك
فغداً تملُكُهُ بينَ يديك
في عام 1968 أعلنت سيدة الغناء العربي أم كلثوم أنها ستغني لعدد من الشعراء العرب، وحين زارت السودان عام 1968، تم تقديم عشرات القصائد لها، فاختارت من بينها جميعاً قصيدة (أغداً ألقاك)، لتغنيها في القاهرة عام 1971.
ولد الهادي آدم عام 1927 وتوفي عام 2006.