ثور في حلبة مصارعة إسبانية
| منذر عيد
كمثل ثور في حلبة مصارعة ثيران إسبانية، يترنح جيش الاحتلال الإسرائيلي، فلا هو قادر على الصمود أمام خصمه، وغريزته الإجرامية وما يحمله من وهم «العنفوان والجيش الأقوى» يمنعانه من إيقاف العدوان على غزة وإعلان الهزيمة، لتقابله خيبة أمل سياسية كبيرة مُني بها رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو عقب إخفاقه في حصاد «نصر» من خلال إعلان اغتيال القائد العام لـ«كتائب القسام» محمد الضيف، نصر أراد من خلاله خلط جميع أوراق التفاوض والمضي قدماً في حرب أوسع وأشمل، ويحوله إلى دواء منشط يحقنه في أوردة جنود جيشه المتهالك في قطاع غزة.
لم تهب الرياح في غزة كما تشتهي «سفن» نتنياهو، وهو من كان يمني النفس بأن يستغلها في دفع آلة القتل الإسرائيلية للتغول أكثر في الدم الفلسطيني، ولتجاوز الحدود الشمالية للأراضي الفلسطينية المحتلة مع لبنان، ولتعصف بجميع أوراق المفاوضين في الدوحة والقاهرة، فعلى ما يبدو فإن نتنياهو الذي يراوغ في الموافقة على صفقة مع المقاومة الفلسطينية لتبادل الأسرى ووقف العدوان، عبر رفع سقف المطالب والشروط، بات اليوم ملزماً بتدوير الزوايا والبحث عن مبرر للنزول من أعلى الشجرة، وخاصة أن مفرزات الميدان العسكرية في الجنوب في غزة وفي الشمال على جبهة المواجهة مع حزب اللـه لم تترك خياراً ثانياً له.
مع دخول العدوان الإسرائيلي على غزة شهره العاشر، فإن قادة الكيان باتوا سجناء الخيارات، فلم يستطيعوا تحقيق أيٍ من أهداف العدوان، وباتوا في تخبط في كيفية الخروج من مستنقع غزة، وفي السبل لإعادة «هيبة» ذهبت أدراج الرياح في الشمال، صورة الاحتلال المزرية جسدتها صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية عبر تأكيدها في تقرير لها أول من أمس أن «الجيش الإسرائيلي الذي أنهكته الحرب في قطاع غزّة، بات ينظر بحذرٍ إلى الحرب في الجبهة الشمالية مع حزب الله»، لتوضح أنه خلف هذه المواقف هناك مخاوف متزايدة داخل الكيان الإسرائيلي بخصوص خوض حرب مع لبنان، وخاصة أن جنوده «مرهقون وموارده مستنزفة» بعد أطول حرب يشهدها الكيان منذ عقود، قائلة: «9 أشهر من الهجمات ضد حماس في قطاع غزة لم تتمكن من هزيمة الجماعة، ونتنياهو المحاصر سياسياً لم يحدد بعد إستراتيجية خروج، وفي لبنان، ستواجه إسرائيل عدواً أكبر حجماً وأفضل تسليحاً وأكثر احترافية، كما يحذر الخبراء، فضلاً عن التهديد بمستنقع عسكري أعمق.
معاناة الكيان عكستها أيضاً صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية بتأكيدها أن جيش الاحتلال يعترف لأول مرة، أنه يعاني نقصاً في الدبابات بسبب تضررها في جبهات القتال، في غزة والجبهة الشمالية، وخروجها عن الخدمة، وعدم إمكانية استعمالها في الميدان أو التدريب، إضافة إلى نقص في الذخيرة.
الاختلاف في رؤية الأمور، والتباين في قراءة حقيقة الوضع الميداني والعسكري وقدرات الجيش الإسرائيلي، خلقا شرخاً كبيراً وخلافاً بين المستويين السياسي من جهة والعسكري والأمني من جهة ثانية في الكيان، حيث يصر الأول متمثلاً بنتنياهو على طلبه بخصوص بقاء القوات الإسرائيلية في محور فيلادلفيا وعدم السماح بعودة سكان القطاع إلى الشمال دون إشراف ومراقبة إسرائيلية، بينما يؤكد الثاني أن جميع الأجهزة الأمنية تعتبر أن المقترح المطروح يشكل «فرصة لن تتكرر»، وفق ما كشفت» القناة 12» الإسرائيلية عن مداولات «دراماتيكية وعاصفة» في ديوان رئيس الحكومة الإسرائيلية حول مفاوضات تبادل الأسرى، لتؤكد هيئة البث الإسرائيلية أن نقطة الخلاف الرئيسية بين نتنياهو وفريق التفاوض هي عودة سكان غزة إلى شمالي القطاع، ووجود خلاف آخر بين نتنياهو وقادة الأجهزة الأمنية بشأن بقاء الجيش في محور فيلادلفيا.
وسط محاولات نتنياهو نسف المفاوضات التي تدور في حلقة مفرغة حتى الآن، يبقى السؤال: إلى متى يستطيع جيش الاحتلال تحمل الضربات الموجعة التي يتلقاها من المقاومة، وأي شيء ينتظره نتنياهو، هل انتصار عجز عن تحقيقه خلال 9 أشهر، أم ضوء أخضر أميركي بالذهاب إلى حرب لانهاية لها، مع احتمالات كبيرة جداً بأن تكون حرب النهاية له ولكيانه؟ وسط هذا كله لا يتبادر إلى الذهن إلا صورة نتنياهو التي تشبه ذاك الثور المثقل بجراح السهام وهو ينظر منهكاً إلى محاربه متحضراً لهجوم وهو بالكاد يقف على قوائمه.