هل يُصحح قانون الاحتراف مسيرة كرة القدم؟ … الأندية أمام مسؤولياتها في التطبيق العملي لمواد القانون
| ناصر النجار
أخيراً وبعد طول انتظار صدر قانون الاحتراف الرياضي الذي حدد النقاط الرئيسية التي يرتكز عليها الاحتراف، وهذه النقاط تحتاج إلى تفسير وتوضيح من الاتحادات الرياضية المعنية بالاحتراف، فالمطلوب اليوم من اتحاد كرة القدم تشكيل لجنة احترافية من قانونيين وخبراء لوضع قانون احتراف كروي يرتكز على النقاط الرئيسية التي جاءت في قانون الاحتراف الشامل الذي أصدرته اللجنة المركزية للاحتراف برئاسة عاطف الزيبق.
قبل الدخول في النقاط الرئيسة لمواد قانون الاحتراف علينا الإشارة إلى أمرين اثنين مهمين، أولهما: مسؤولية اتحاد كرة القدم بفرض هذا القانون على أنديته دون محاباة أو مراعاة لأحد، وعدم غض الطرف عن المخالفات التي ترتكب فيه، وإصدار عبر لجنة الانضباط والأخلاق حزمة من المواد القانونية التي تتصدى لهذه المخالفات بحزم إن تم ارتكابها أو خرقها.
ثانيهما: مسؤولية الأندية تكمن في القناعة التامة بهذا القانون والعمل على تنفيذه بكل مواده وعدم الإخلال فيه أو محاولة التلاعب على مواده، لأن فيه مصلحة كاملة لمسيرة الأندية على كل الصعد الفنية والإدارية والمالية، والمفترض أن يكون لكل ناد جهاز قانوني محترف يعمل على صياغة العقود الاحترافية بشكل مثالي يتطابق مع القانون العام ولا يظلم أحداً من طرفي العقد سواء النادي أو الألعاب أو غيره من الكوادر.
ونحن نعلم تمام العلم أن العقد شريعة المتعاقدين، لكننا وجدنا أن العقود السابقة كانت تحرج الأندية وتضعها في مأزق كبير في حالات عديدة أمام لاعبيها ومدربيها وكوادرها.
وعلى سبيل المثال: نسمع على الدوام وفي كل موسم أن هناك (حرداً) من لاعب أو أكثر، وربما من فريق بأكمله عن حضور التمارين أو المباريات لخلاف مع الإدارة أو المدرب لأسباب مالية أو ربما كانت فنية وإدارية، هذه الظاهرة البشعة التي تكررت كثيراً وصارت عنوان بعض مراحل الدوري في العديد من الأندية يجب أن تنتهي نهائياً، ففضلاً عن كونها ظاهرة معيبة بحق الأندية واللاعبين والأسرة الكروية، فهي ظاهرة تدل على قصور العقود وما فيها من بنود، لذلك نجد أن مواد العقود في الكثير من الأماكن لا تمنح النادي حق السيادة على اللاعبين، لذلك يحصل التمرد، والسيادة هنا نقصد بها سلطة النادي على اللاعب المحترف، وعلى الأغلب لا نجد هذه السلطة واضحة لأنها غير مقيدة بقانون، وكم من لاعب (مثلاً) يتصرف بحرية في حياته الشخصية الضارة بكونه لاعباً دون أن نجد مادة تردعه عن تصرفاته، ونؤكد هنا على أمرين اثنين، أولهما: العديد من اللاعبين يسهرون في المقاهي وهم من مدمني الدخان أو النرجيلة، وهذا في عالم كرة القدم ممنوع، وفي الاحتراف أكثر ضرراً وهي تنقص من عمر اللاعب كروياً، كما تجعله يتراجع على صعيد العاملين البدني والفني.
ثانيهما: الشغب والخروج عن أدب الملاعب والتسبب بأذية النادي سواء كانت هذه الأذية فنية، لأن خروج اللاعب من المباراة ببطاقة حمراء دون أن يكون لها مبرر (تكتيكي أو فني) تشكل ضرراً كبيراً على الفريق قد تؤدي به إلى الخسارة أو التعادل، وهذا يسبب ضرراً مباشراً للنادي، كذلك انتقال شغب أو مشكلة سيتسبب بأذية كبيرة من خلال العقوبات الانضباطية والغرامات المالية التي يتكبدها النادي، هذه الحالات وغيرها كثير لا نجد لها مواد قانونية في العقد بين النادي واللاعب أو المدرب، لذلك من الطبيعي أن يكون اللاعب أقوى من الإدارة وأن يصل إلى مرحلة التمرد وعدم تقديم أفضل ما عنده من مستوى.
لذلك فإن توحيد العقود كما طلبت اللجنة المركزية للاحتراف أمر جيد، لكن بإمكان كل اتحاد وكل ناد أن يضيف على هذه العقود ما يسمى مسودة عقد تضمن حقوق الأندية كاملة دون أن يكون فيها ظلم وجور على الطرف الآخر، وهذا ما سميناه سيادة النادي لأن الأمور خرجت عن عقالها احترافياً في السنوات الماضية وبات النادي الطرف الأضعف في هذه العقود، وذلك يعود إلى ضعف خبرة إدارات الأندية وهي مشكلة كبيرة تعاني منها أنديتنا.
اللاعب الأجنبي
يقصد باللاعب الأجنبي كل لاعب غير سوري سواء كان عربياً أك من أي جنسية أخرى، في قانون الاحتراف الجديد تم منع التعاقد مع اللاعب الأجنبي باستثناء ناد له مشاركة خارجية يسمح له بالتعاقد ضمن شروط، وفي أهم هذه الشروط وجود تغطية مالية لعقد اللاعب حتى لا تصل الأمور إلى مشاكل خلافية بسبب المال، فتصل هذه القضايا إلى محاكم الفيفا، ما يؤثر ذلك على الأندية بعقوبات عديدة فضلاً عن غرامات مالية تفوق أثمان العقود بأضعاف ولا ننسى هنا أجور المحاكمات والمحامين.
أما بالنسبة للشطر الأول من المنع فإن القرار كما نعتقد أنه سليم، وبنينا هذه القناعة عن تجربة أفرزتها العقود التي جرت في الموسمين الأخيرين من الدوري ووجدنا فيها التالي:
أولاً: أغلب اللاعبين الذين تم التعاقد معهم كانوا دون المستوى الفني والبدني المطلوب، لذلك فإن الأندية تراجعت عن عقودها وفسختها سواء كان الفسخ بعد مباراتين أو ثلاث مباريات من انطلاق الدوري أو بعد نهاية مرحلة الذهاب، ومن أصل 23 لاعباً محترفاً لم يكمل الدوري إلا خمسة أو ستة لاعبين فقط وهو دليل على سوء الاختيار.
ثانياً: تدخل السماسرة في التعاقد مع اللاعبين كان مباشراً، وكانت لهم الكلمة المؤثرة في التعاقد، وللأسف فإن هؤلاء السماسرة اتفقوا مع بعض سماسرة موجودين داخل الأندية في هذه التعاقدات، لأنه في الأصل من المفترض أن يتم اختبار اللاعبين بدنياً وفنياً قبل توقيع العقود معهم، وهذا في أضعف الإيمان إن لم يتم النظر إلى السجل الذاتي للاعب، لذلك نتساءل بأسف: من اختبر اللاعبين الأجانب؟ ومن سمح لهم بالتعاقد؟وهذه وحدها ترفع إشارات استفهام عديدة حول هذا العمل غير المحترف، وتثير شبهة كبيرة سواء بالاختيار أو طريقة التعاقد، أو حتى عند فسخ العقد، وإذا استبعدنا سوء النية، فإن سوء العمل الإداري يرمي بظلاله على واقع إدارات الأندية التي فشلت بإدارة فرقها الكروية.
ثالثاً: الوضع المالي للأندية لا يسمح بالتعاقدات مع اللاعبين الأجانب، واستغرب المراقبون كيف أن أنديتنا جميعها هرولت وراء التعاقدات هذه وهي لا تملك المال الكافي، وقد وجدت نفسها في ورطة كبيرة، فبعضها لجأ إلى المحبين لتسديد قيمة هذه العقود وبعضها الآخر لجأ إلى الاتحاد الرياضي العام واتحاد كرة القدم، وبعضها أيضاً علقت في مخاصمات مع هؤلاء اللاعبين، وبناء عليه أفلست الأندية ودخلت في العجز، وأكثر من ذلك قصّرت في تأدية واجباتها المالية تجاه لاعبيها، والتزاماتها المالية مع اتحاد كرة القدم سواء بالرسوم أو ضريبة العقود أو الغرامات المالية نتيجة العقوبات الانضباطية، كما إن بعض الأندية مدينة لبعض شركات التجهيزات الرياضية والفنادق والمطاعم وغيرهما.
وأمام هذه الصورة فإن إلغاء التعاقد مع اللاعبين المحترفين أمر يصب في مصلحة الأندية بعد أن غرقت مالياً ولم تستفد من هؤلاء اللاعبين بأي فائدة كروية.
أسعار خيالية
بسبب الفكر الثقافي الهش الذي تنتهجه بعض أنديتنا بالبحث عن اللاعب الجاهز وإهمالها لقواعدها ولاعبيها وغياب أي خطة إستراتيجية لبناء كرة القدم وتطوير اللاعبين، لجأت هذه الأندية إلى التعاقد مع لاعبين من أندية أخرى، وللأسف درجت هذه العادة فصارت سمة كل موسم بحيث وصل عدد التعاقد مع اللاعبين عدداً مبالغاً فيه، ونذكر هنا أن بعض الأندية غيّرت فريقاً بأكمله بأساسييه واحتياطييه كما حدث مع فريقي الفتوة وحطين في الموسم الماضي، وأقل فريق كان يتعاقد مع عشرة لاعبين جدد، فضلاً عن التغيير المستمر بالكوادر الإدارية والفنية في الموسم الواحد ولأكثر من مرة.
وهذا سبب كوارث في كرة القدم للأسباب التالية: على الصعيد الفني فإن التغيير المستمر باللاعبين يفقد اللاعبين الانسجام والتناغم، لذلك وجدنا فرقاً تملك أسماء مرعبة على أرض الملعب لكنها لا تحقق الأداء والنتائج ولا تقدم نصف المستوى المأمول منها، وكل ذلك بسبب غياب الانسجام بين اللاعبين الذين جاؤوا من أندية مختلفة، إضافة لذلك فإن هذه التشكيلة قد لا تنسجم مع فكر المدرب وأسلوبه، وهذا الأمر وقع في أكثر من ناد، لكن ماذا نقول عندما يتغير المدرب في الموسم الواحد أكثر من مرة؟ هذا الأمر لا يعود بالنفع على الأندية وعلى كرة القدم لأن كرة القدم تتحول في هذه الحالة إلى (شوربة)!
الناحية المهمة أيضاً أن الأندية مضطرة لدفع أثمان عقود كبيرة وكثيرة مع بداية كل موسم، ولأن النادي الأكثر غنى يسحب اللاعبين ويختار الأفضل فإن الأسعار ترتفع من باب العروض التي تدخل الأندية في منافسات غير محمودة، لأن اللاعبين أمام هذه المنافسات يرفعون الأسعار إلى أرقام خيالية، ما أدى ذلك إلى تحول أنديتنا إلى غني وفقير، وبات سوق الأسعار كبيراً وفيه الكثير من المغالاة، حتى إن الكثير من المراقبين وخبراء اللعبة اعتبروا أن الأسعار المدفوعة إلى اللاعبين تفوق مستوى اللاعبين كثيراً.
لجنة الاحتراف حدّت من هذه الظاهرة بعدم السماح ولأي ناد بالتعاقد مع أكثر من خمسة لاعبين من خارج أبناء النادي، كما حددت سقف العقود بمبلغ مئتي مليون ليرة سورية لكل لاعب.
المهم أن تؤخذ هذه القرارات على محمل الجد وأن تقتنع الأندية بها وتعمل على تنفيذها حتى تتخلص من مشاكلها المالية، ومن خلافاتها مع اللاعبين التي تتفاقم موسماً بعد موسم.
اتحاد كرة القدم معني بالتنفيذ ومن المتوقع أن يصدر التعليمات التنفيذية لهذا القانون وفيه مصلحة إيجابية لكرة القدم.
أخيراً لا نعتبر أن الموضوع كامل وشامل، لكنه خطوة في الاتجاه الصحيح، وستواجه الأندية بعض الصعوبات في تنفيذه في بداية الأمر حتى تعتاد الاحتراف الحقيقي المنضبط بآليات وقوانين، ولابد من المحاسبة الجادة عند خرق هذه القوانين حتى لا تتحول إلى حبر على ورق.