الأولى

كواليس ما قبل جنيف3

| بيروت – محمد عبيد

على الرغم من المتابعة المباشرة والمشتركة الروسية- الأميركية للقاءات جنيف الحوارية ومحاولتهما الدائمة تذليل العقبات وخصوصاً منها المصطنعة من رعاة بعض «المعارضين» المشاركين فيها، يبدو حتى الآن أن المزاج الروسي لا يميل إلى الأخذ بوصفة الحل التقليدية الأميركية القائمة على أولوية تنحي رأس الدولة لاستجماع القوى لقتال الإرهاب. فواشنطن التي تسابق الوقت لتحقيق إنجاز ما في الملف السوري قبل الدخول في حالة الغيبوبة أو على الأقل المراوحة في السياسة الخارجية نتيجة قرب الانشغال المُنهِك لإدارة «ديمقراطية» تحاول توريث إدارة «ديمقراطية» أخرى، تعلم جيداً أنها لم تتمكن سابقاً ولن تتمكن الآن من التورط ميدانياً في الحرب في سورية بشكل مباشر، وأن جُلَّ ما يمكنها فعله هو تهيئة ظروف ملائمة للإدارة المقبلة من خلال المساهمة في عملية سياسية تضع الأزمة في سورية على مسار تسوية ما، وبالتالي لا يمكن تحقيق ذلك سوى عبر التنسيق والتفاهم مع القطب الدولي الآخر. هذا القطب الذي يبدو أنه تمكن فعلياً من فرض وصفته الناجعة القائمة على الحفاظ على الدولة ورأسها ومقوماتها السياسية والعسكرية والأمنية كركيزة لأي حوار داخلي يفتح الأفق لمشاركة سياسية لقوى «معارِضة» بناءة تتوسل الآليات الديمقراطية طريقاً لإعادة تكوين السلطة وليس النظام.
هذه المرونة الأميركية تجاه المقاربة الروسية-وفق بعض المصادر الدبلوماسية- أوجبتها ظروف تتعلق بأوضاع حلفاء أو أذرع واشنطن الإقليميين وفي مقدمهم تركيا والسعودية. فالتعويل الأميركي على الدور التركي في تغيير بعض الوقائع الميدانية وخصوصاً في الشمال السوري لجهة تمكن أنقرة من التأسيس لمنطقة حظر جوي تُعطل قدرات الطيران العربي السوري وتفرض خطوط تماس دولية وإقليمية أرضية وجوية، كذلك توقف اندفاعة النازحين السوريين لغزو دول أوروبا وتهدد استقرارها، باء بالفشل قبل المشاركة الروسية في القتال وبعدها خاصة. وبالتالي فإن الرؤية «الأردوغانية» حول قدرته على فرض نفسه كلاعب رئيسي في المنطقة من موقعه كحليف لواشنطن من البوابة السورية اصطدمت أول ما اصطدمت بالصراع العثماني الموروث ضد المواطنين الأكراد في تركيا وسورية وتراجعت وتكاد تضمحل لولا انعطافه نحو تعزيز علاقاته مع دول الإتحاد الأوروبي وتقديم نفسه كسدٍ يمنع «الإسلامويين» من الولوج إليها وأيضاً لولا محاولاته استعادة علاقاته التاريخية مع كيان العدو الإسرائيلي متجاوزاً بذلك كل الشعارات البراقة الكاذبة حول مناصرته الفعلية للفلسطينيين في كفاحهم ضد هذا العدو الذي بات أردوغان ونظامه محكوماً بإعادة تكوين حلف إستراتيجي معه كي يحفظ لنفسه مكاناً في اللعبة الإقليمية.
أما النظام السعودي الداعم الأول والمطلق لبعض ما يسمى المعارضة السورية اليائسة من الانتظار على أرصفة العواصم الإقليمية والدولية والتي تبحث عن ممر يعيدها إلى واجهة وواقع الحدث السوري، هذا النظام وجد نفسه مضطراً إلى الإذعان للطلب الأميركي حول إلزام حضور وفد هذه المعارضة إلى جنيف من دون شروط مسبقة والالتزام بآليات الحوار ومندرجاته وفق الرؤية الدولية المتفق عليها والتي يعبر عنها حصراً المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا. راوغت الرياض على لسان وزير خارجية النظام عادل الجبير مراراً وحاولت اللعب إعلامياً على حافة الهاوية بهدف حصر تمثيل المعارضات السورية بوفدها رغم تحذيرات واشنطن لها بأن إخفاق الحوارات المنتظرة في جنيف سينعكس سلباً على «المعارضة» وليس على الحكومة السورية وخصوصاً في ظل التقدم النوعي والكمي للجيش العربي السوري وحلفائه في الميدان وسقوط الرهان على الاستثمار على المجموعات الإرهابية التكفيرية التي أحرجت هذه المعارضات بعملياتها التفجيرية بدل الاستفادة منها لابتزاز الحكومة.
إرهاصات جنيف3 مازالت في بداياتها ولا شك أن أمدها سيطول وسيطول كثيراً في ظل حوار غير مباشر مفترض بين وفد الحكومة السورية ووفد «الرياض» السوري ووفود يتيمة تسعى لإيجاد من يتبناها، والشكل هنا له علاقة بالجوهر.. وهذا حديث آخر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن