من دفتر الوطن

كي يكون حظنا طيباً

| حسن م. يوسف

«الحظ هو ما يحصل عندما يلتقي الاستعداد بالفرصة».

كلما أمعنت التفكير بهذه المقولة التي أطلقها الفيلسوف الروماني سينيكا المولود في العام الرابع قبل الميلاد أي قبل ألفين وعشرين عاماً، ازددت إحساساً بعظمة بساطتها، ووجدت فيها مفتاح الحل لكل مشاكلنا ومشاكل البشرية جمعاء. فعندما نعطي الفرصة لمن هو مستعد لاستثمارها، نضمن بذلك أعلى نسبة ممكنة من النجاح. لكن الفشل قد يعم عندما يتوافر الاستعداد والفرصة وتغيب الإرادة. فمن يعرف حلول المشاكل ويتجاهلها أو يعمل خلافاً لها، فحاله أسوأ بكثير من الجاهل بها!

خلال الأيام القليلة الماضية قرأت مقالاً صادماً للدكتور المهندس أيمن يونس سليمان، يتحدث فيه عن مشروع حياته الذي صاغه منذ عشرين عاماً ضمن رسالة دكتوراه كان تقييمها- على حد قوله- من ٢٥ برفيسوراً روسياً، بأنها «من أضخم وأدسم الأطروحات التي حضروها في حياتهم، حيث صوتوا جميعاً عليها وقوفاً وتصفيقاً بدل رفع الأيدي، إثر نهاية المناقشة العميقة حول تفاصيلها وآفاق تحقيقها».

لا أخفيكم أنني في البداية شعرت أن هذا الكلام قد ينطوي على شيء من المبالغة، وحسبت أن ذلك يرجع لشعور قائله بالإحباط. إلا أن هذا الحسبان تبدد تماماً عندما انتهيت من قراءة المقال. والحق أن مشروع «تأسيس هيئة دعم القرار عن طريق إنشاء بنك معلومات وطني وإدارته بوساطة نظم المعلومات الجغرافية GIS» الذي اقترحه الدكتور المهندس أيمن يونس سليمان قبل عشرين عاماً، كان من شأنه، لو تم العمل به في حينه أن يضع سورية في مقدمة دول المنطقة. وأنا أتفق مع هذا الرجل الوطني الغيور في قوله: إن سبب أغلب مشاكلنا هو عدم وجود تخطيط استراتيجي فعلي».

خلاصة المشروع أن «يتم ربط جميع وزارات ومؤسسات الدولة بهذا البنك- بنك المعلومات الوطني- وأن تُلْزَم جميعها بوضع بياناتها كافة فيه، مع التحديث المستمر لها، وفي الزمن الحقيقي ٢٤/٢٤»، بحيث يستطيع المسؤول، اعتماداً على أحدث المعطيات أن يتخذ القرارات الصحيحة من دون أي تأخير».

عندما زار الدكتور الحكيم مهاتير محمد مؤسس ماليزيا الحديثة، دمشق في خمسينيات القرن الماضي، انبهر بها وقرر أن يجعل كوالا لامبور شبيهة بدمشق. والحق أن ما أنجزه الحكيم مهاتير يثبت صحة المثل القائل: «حيث توجد الإرادة يوجد الطريق» وإذا لم يكن الطريق موجوداً فالإرادة كفيلة بشقه!

لقد بات أكيداً الآن أن الجزء الأهم من ثروات الأمم، هو الموجود في رؤوس أبنائها لا تحت أرضها، فسنغافورة التي بكى رئيسها ذات يوم لأنه «رئيس بلد لا توجد فيه مياه للشرب.» هي اليوم بفضل الاستثمار الحكيم في الإنسان، تتقدم على اليابان في مستوى دخل الفرد!

في كل يوم نقرأ أكثر من خبر عن إنجازات السوريين في الخارج، لذا أناشد كل من يهمهم مستقبل سورية ورفاه شعبها أن يعطوا الفرص لأصحاب الإرادة المستعدين لتلك الفرص، فذلك وحده من شأنه وقف نزيف الأدمغة وهو الضمانة الأساسية لأن يكون حظنا طيباً في قادم الأيام.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن