رياضة

الخلافات السياسية تلقي بظلالها من جديد على أكبر تجمع رياضي عالمي … دورة الألعاب الأولمبية تعود إلى العاصمة الفرنسية باريس بعد مئة عام

| خالد عرنوس

بعد انقضاء عرسي كرة القدم في أوروبا وأميركا تتجه أنظار الرياضيين في العالم أجمع وهذه المرة ليس عشاق اللعبة الشعبية الأولى بل كل عشاق الألعاب الرياضية الأخرى إلى العاصمة الفرنسية باريس، حيث تقام دورة الألعاب الأولمبية الصيفية بنسختها الثلاثين بين الرابع والعشرين من تموز الجاري والحادي عشر من آب المقبل، ويتنافس فيها أكثر من عشرة آلاف رياضي ورياضية على 329 ميدالية ذهبية من خلال 32 لعبة جماعية وفردية، وكانت باريس فازت بشرف تنظيم هذه الدورة عام 2015 بعد منافسة مع مدينة لوس أنجلوس الأميركية وجاء قرار اللجنة الأولمبية تكريماً للعاصمة الفرنسية بمناسبة مرور 100 عام على تنظيم الدورة للمرة الأخيرة عام 1924، ورغم كل محاولات أو ادعاءات اللجنة الأولمبية الدولية بفضل الرياضة عن السياسة إلا أنها منعت روسيا من المشاركة بسبب حربها مع أوكرانيا قبل أن تسمح اللجنة الأولمبية لبعض الرياضيين الروس بالمشاركة، وتقام معظم منافسات الدورة في مدينة باريس أو الضواحي تابعة لها إدارياً عدا مسابقتي كرة القدم للذكور والإناث فتقامان على ملاعب سبع مدن رئيسية.

أسباب متنوعة

لم تستمر دورة الألعاب الأولمبية بسلاسة منذ انطلاقتها، فقد ألغيت عام 1916 بسبب الحرب العالمية الأولى ثم عام 1940 و1944 بسبب الحرب العالمية الثانية وكادت تغيب بينهما 1932 بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية إلا أنها أقيمت بمشاركة قليلة بل رمزية في بعض الألعاب ولم تشمل جميع الألعاب المدرجة تلك الأيام، ويشارك منذ دورة أثينا 2004 أكثر من 200 اتحاد رياضي في الدورة علماً أن الرقم بدأ بـ14 دولة قبل أن يرتفع عقب الحرب الثانية إلى 59، وتجاوز الرقم 100 دولة في دورة مكسيكو 1968 ويومها شارك 112 بعثة.

وهذا الأمر الذي كان طبيعياً بسبب استقلال الدول تباعاً والانتشار الهائل للرياضات المتنوعة في أربعة أصقاع الكرة الأرضية، إلا أن الأجواء التي تمناها مؤسس الحركة الأولمبية دي كوبرتان ومناصروه ومساندوه ذهبت أدراج الرياح، فلم تكن الرياضة بعيدة عن التجاذب السياسي، فقبل دورة برلين 1936 طالب الكثيرون بمقاطعتها وعقب الحرب الثانية حرمت اللجنة الأولمبية الدولية ألمانيا واليابان من المشاركة في دورة لندن 1948، وفي 1956 قاطعت ثلاث دول أوروبية الدورة التي أقيمت في أستراليا على خلفية الغزو السوفييتي للمجر، وحذت دول عربية حذوها مع بداية أزمة قناة السويس، وفي 1964 بطوكيو قاطعت دول آسيوية الدورة رداً على منع اللجنة الأولمبية الدولية حرمان بعض الرياضيين من المشاركة بسبب مشاركتهم في ألعاب جاكرتا الأولمبية التي اعتبرت تحدياً للجنة.

مقاطعة جماعية

وفي مونتريال 1976 شاركت نيوزيلندا في الألعاب وتسبب ذلك في مقاطعة إفريقية شبه جماعية للدورة لأن فريقاً نيوزيلندياً زار جنوب إفريقيا ولعب هناك رغم حرمان الأخيرة من المشاركة في الدورات والبطولات القارية والعالمية بسبب التمييز العنصري، وبعد أربع سنوات أقيمت الدورة في موسكو وجاء توقيتها عقب الغزو السوفييتي لأفغانستان وهو الأمر الذي أدى إلى مقاطعة واسعة النطاق لتلك الدورة فبلغ عدد الغائبين 60 دولة ليقتصر عدد الدول المشاركة على 80 دولة وهو الرقم الأقل منذ 1956، ومع ذلك اعتبرت الدورة من أنجح الدورات من حيث عدد الأرقام القياسية المسجلة فيها.

وجاء الرد السوفييتي سريعاً في الدورة التالية التي أقيمت في لوس أنجلوس بالولايات المتحدة ولم يقتصر الغياب على السوفييت، فوصل العدد إلى 13 دولة أخرى، وفي سيئول 1988 لم تشارك كوريا الديمقراطية بسبب الخلافات الدائمة مع كوريا الجنوبية وكذلك لعدم مشاركتها بالتنظيم خاصة أن إقامتها ترافقت مع محاولات تقارب بين البلدين المنقسمين، وغابت كوبا وبعض الدول رافضة المشاركة في الدورة، وعادت الألعاب إلى طبيعتها حتى 2008 عندما هددت بعض الدول مقاطعة دورة بكين إلا أنها شهدت رقماً قياسياً من حيث عدد الدول المشاركة (204 دول).

مشاركون وألعاب

ومنذ اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية قامت دول كثيرة وخاصة الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبية بمقاطعة روسيا رياضياً وجرى حرمان المنتخب الروسي من المشاركة في كل المسابقات القارية والدولية وقوطعت اللجنة الأولمبية واستبعدت روسيا بالتالي من المشاركة بدورة باريس، وعادت اللجنة الأولمبية الدولية وسمحت بمشاركة بعض الرياضيين الروس ببعض الألعاب الفردية دون رفع العلم الروسي وهو ما رفضه اللاعبون وانسحبوا وبالتالي من المشاركة فما كان من السلطات الروسية إلا أن رصدت لهم مكافآت تعويضاً عن ظهورهم في الألعاب، وقد حددت اللجنة الأولمبية الدولية أسماء 15 رياضياً ورياضية من روسيا للمشاركة في الدورة يذكر أن روسيا كانت تشارك عادة ببعثة قوامها بين 300 و350 فرداً.

ويشارك في الدورة الحالية ما يناهز 10500 رياضي ورياضية مناصفة بين الإناث والذكور مناصفة تقريباً يمثلون 205 دول إضافة إلى فريق خاص مكون من اللاجئين يمثلون أكثر من دولة لكنهم يشاركون بشكل إفرادي، وانخفض عدد المشاركين إلى هذا العدد من الرياضيين بشكل ملحوظ فقد شارك 11318 رياضياً في طوكيو 2021 و11180 في ريو 2016، وبالمجمل يتوقع أن تستقبل فرنسا أكثر من 14 ألف شخص يشاركون في الدورة بين مرافق ومدرب وإداري وحكم، وتتضمن الألعاب 32 لعبة رياضية منها 28 لعبة مدرجة بشكل رئيسي، إضافة إلى أربع ألعاب مضافة، وتتفرع إلى 329 مسابقة لعل أكثرها في مسابقة ألعاب القوى التي تضم 48 سباقاً وتستمر منافساتها على مدار 11 يوماً في حين تضم السباحة 38 سباقاً وتستمر منافساتها على مدار أول 9 أيام من الدورة، على حين تنطلق مسابقتا كرة القدم للجنسين قبل الافتتاح الرسمي للدورة بيومين وتستمر حتى قبل يوم من ختامها، حيث يشارك في مسابقة الرجال 16 منتخباً على حين تقتصر مسابقة السيدات على 12 منتخباً، في حين تنطلق سباعي الرجبي قبل يومن من الافتتاح وتستمر إلى اليوم الرابع، على حين تبدأ مسابقة كرة اليد قبل يوم من الدورة وتنتهي مع اليوم الختامي للدورة.

حدث جديد

عندما انطلقت الألعاب الأولمبية كانت تحت شعار التسلية والمنافسة الشريفة للرياضيين الهواة، وبقي أصحاب هذا الشعار يقاتلون دفاعاً عن الألعاب لزمن ليس بالقصير قبل أن تجبر على التخلي عن هذه المبادئ أولاً بأول، فكان يرفض مشاركة اللاعبين المحترفين في كل الألعاب، على سبيل المثال، فقد ألغيت لعبة التنس من برنامج الدورات منذ باريس 1924 وذلك لعدم قدرة التمييز بين الهواة والمحترفين في هذه اللعبة التي عادت في دورة سيئول 1988 كلعبة أساسية وكانت شرارة دخول المحترفين رسمياً إلى الألعاب الأولمبية ففي الدورة التالية 1992 دخل منتخب أميركا لكرة السلة المحترف (دريم تيم) الألعاب وهكذا.

ورغم ذلك فلم تكن جوائز المتوجين أو الفائزين بالميداليات ينالون رسمياً أي مبالغ مالية، إلا أن بعض هؤلاء كانوا ينالون مكافآت خاصة من اتحاد بلدانهم أول اللجنة الأولمبية في كل بلد، وقبل شهور قليلة أقر الاتحاد الدولي لألعاب القوى منح مكافآت رسمية للفائزين بالميداليات الملونة في باريس 2024 قد تصل إلى 50 ألف دولار لأصحاب الميداليات الذهبية، يذكر أن ألعاب القوى في الدورة تتضمن 48 مسابقة متنوعة للسيدات والرجال.

القرية والافتتاح

وبدأت منذ الخميس الماضي القرية الأولمبية باستقبال الوفود المشاركة في الدور، وتقع القرية الأولمبية شمال باريس على مساحة 52 هكتاراً وتضم 82 بناءً سكنياً وتتسع لأكثر من 14500 شخص (9000 آلاف رياضي و4 آلاف عامل و1500 متطوع)، وبالطبع فإن القرية تم إنشاؤها لتتسع هذا العدد ويتوافر فيها كل ما يلزم للوفود المشاركة من إقامة وأماكن للترفيه ومطاعم وصالات رياضية للتدريب والاستشفاء وكذلك محال تجارية وحدائق عامة وعيادات طبية، وبالطبع فإنها مكان مثالي لتجمع الرياضيين من جميع أنحاء العالم والتواصل فيما بينهم وسط أجواء يفترض أن تكون مثالية.

ومن المقرر إقامة حفل افتتاح على ضفاف نهر السين على مسافة قد تصل إلى 6 كيلومترات بعيداً عن الملاعب التقليدية حيث تجري البعثات المشاركة عبر 85 قارباً، وينتظر أن تقوم أكثر من 100 كاميرا تلفزيونية بنقل الحدث عبر أكبر تغطية في تاريخ الألعاب، ويستمر العرض قرابة 3 ساعات و45 دقيقة، ويقدم خلالها 3000 راقص وفنان من الجنسين 12 لوحة فنية تحاكي تاريخ فرنسا وحاضرها، ورغم كل هذه الاستعدادات الهائلة إلا أن كل ذلك مهدد بالتغيير المفاجئ في حال وجدت السلطات الفرنسية خطورة أمنية على المشاركين أو على الأمن الداخلي في البلاد وحينها ستكون هناك خطة طوارئ لتبديل مكان حفل الافتتاح والكثير من معالمه.

وقبل كل شيء يجب على اللجنة المنظمة حل مشكلة الفنانين المشاركين في الحفل وخاصة أن الأخبار الواردة من قلب الحدث التي أفادت بأن اتحاد الفنانين الفرنسيين اشتكى من المعاملة المتباينة من اللجنة للفنانين المشاركين بالحفل وقد هدد بعض هؤلاء بالإضراب عن البروفات بانتظار تحسين أجورهم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن