شؤون محلية

اتركوا الخبز صمام أمان

| ميشيل خياط

لا أستغرب أن الكثير من الناس وبعد حصولهم على ربطة خبز، يسحبون منها رغيفاً ويأكلونه وهم في الطريق إلى بيوتهم لأنه طيب المذاق ويشبع.

وقديماً قيل «الخبز الحاف يُعّرض الكتاف» ويحدث هذا في أغلب دول العالم، فالعلاقة مع الخبز عريقة جداً عمرها 14 ألف سنة على الأقل، وهو يعتمد على القمح الذي زرع لأول مرة في التاريخ في بلادنا.

وفي سورية الآن التي تؤكد الأمم المتحدة أن 12.5 مليوناً من سكانها يعانون من انعدام الأمن الغذائي، يعد رغيف الخبز، السند الجوهري ضد الجوع، وهو الأرخص بين السلع ومتاح لمن يطلبه إذ لا أحد يبخل في تقديم رغيف لمحتاج.

وعلى الرغم من الحرب الضروس وتداعياتها، فإن سورية لا تزال تؤمن عاماً إثر عام، احتياجاتها من القمح «2.2 إلى 2.4 مليون طن سنوياً» لتصنع منه طحينا ثم خبزاً، فهي كانت تتسوق 700 ألف طن تقريباً من إنتاج فلاحيها وتستورد باقي احتياجاتها من جمهورية روسيا الصديقة والحليفة لنا في معركتنا ضد الإرهاب، يقول مدير عام مؤسسة الحبوب «إننا استوردنا حتى أيلول الماضي 1.4 مليون طن قمح من روسيا ولدينا مخزون من القمح يكفينا حتى آخر حزيران»، ومنذ بداية حزيران ذاته بدأت مستودعاتنا بالامتلاء بإنتاجنا من القمح وسط توقعات تستند إلى إحصاءات ميدانية، تؤكد أن إنتاجنا 950 ألف طن لهذا العام.

ولعلنا نقوى على تسوق 600 ألف طن من ذاك الإنتاج في هذه السنة، ولاسيما أن أسعار الشراء التي تبنتها الدولة السورية تعتبر مجزية وهو 5500 ليرة سورية للكيلو غرام الواحد.

نفاجأ منذ عدة أيام، أن إلغاء الدعم العيني واستبداله بدعم نقدي، سيطبق على الخبز في أيلول القادم..! وأرى أن هذا الأمر خطير جداً وأقرب إلى اللعب بالنار، ومن حقي أن أبدي وجهة نظري كمتابع للشأن المحلي السوري ولوقائع الحياة العامة في بعض بلدان العالم «ولاسيما مصر العربية وأحداث 1979 فيها بسبب رفع أسعار الخبز آنذاك ثم التراجع عنه» واستغرب حفاوة بعض المهتمين بالشأن العام، بهذا الإجراء دون الأخذ بعين النظر، أنه لا يجوز أبداً معاقبة الأبرياء بسبب وجود أشرار يمتهنون الفساد والغش ويعتاشون على أرباح فاحشة من السوق السوداء.

المنطق السليم يقول بمعاقبة السيئين وتبني أساليب تقلص قدرتهم على الشر.

إن وجود مجرمين ولصوص، لا يقود إلى إلغاء الحياة خوفاً منهم، بل إلى زجرهم والاقتصاص الشديد منهم لردع من تسول له نفسه أن ينسج على منوالهم.

في شباط الماضي قال وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك: إن تكلفة ربطة الخبز على الدولة السورية 7 آلاف ليرة ونحن نستهلك يومياً 5.653 ملايين ربطة!!

ومع التنامي السريع للتضخم المالي في سورية لفت وزير المالية الانتباه، في سياق حوار أجرته معه مؤخراً الزميلة الجريدة الأسبوعية «الاقتصادية» إلى أن تكلفة ربطة الخبز زنة 1100غ باتت 8500 ليرة سورية، ما يعني إنفاق 11ألف مليار ليرة قيمة الدعم للخبز والطحين.

ولأول مرة أسجل لوزير مالية كلاماً عن البعد الاجتماعي إذ يرى أن البدل النقدي سيحسن معيشة المواطن.

عادة المالية لا تكترث إلا بالمال، وكم طالبنا خلال عقود أن تهتم بالربح الوطني والاجتماعي لزيادة الأجور والرواتب دون جدوى …!! إن البدل النقدي للخبز علاج خاطئ، لمشكلة تعاني منها خزينة الدولة فأنت ستعطي بدلاً نقدياً بما يعادل قيمة ربطات الخبز التي يستحقها المواطن وتقول له: أنفق البدل النقدي وفقا للطريقة التي تناسبك …! وهنا الطامة الكبرى وهنا المأساة، التي نبه منها الدكتور فاضل الأنصاري في كتابه (سكان العراق)، إذ روى أن إحدى الحكومات استبدلت دعم الفلاحين بالأسمدة والبذور والأدوية والفلاحة بأن دعمتهم بالمال، فاشترى أغلبهم ملابس وأحذية وسكاكر وحلويات للعيد بذاك المال، وبقي العراق دون إنتاج زراعي في تلك السنة.

أخشى أن يشتري كثر سجائر ومعسلاً بدل الخبز بذاك الدعم النقدي، ثم يصرخ أطفالهم من الجوع.

انتبهوا نفذوا تجارب عديدة، أنتم تتعاملون مع 4.5 ملايين أسرة، وأغلب هذه الأسر لا تصلون إليها إعلامياً ولا تتحاورون معها، وما تطرحونه يحتاج إلى أسر تدير باقتدار وتخطيط إنفاقها اليومي، ونحن جميعاً ننفق راتبنا خلال ثلاثة أيام من أول الشهر.

رجاء انتبهوا.. الخبز صمام أمان سورية التي نحب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن