الانتخابات التشريعية وتوسيع دائرة الرؤية
| د. مازن جبور
انتخابات مجلس الشعب للدور التشريعي الرابع، جاءت في مرحلة تجعل من الصعب النظر إليها كأي انتخابات برلمانية سابقة، بل لا بد من توسيع زاوية الرؤية، لنتمكن من إدراك الجوانب الأخرى المحيطة بالعملية، إذ إنها جاءت في خضم عملية تحول في الحالة السورية، وانتقال إلى مرحلة ما بعد الحرب، وهي مرحلة صعبة تتسم بالتشابك والتعقيد، وتقتضي جهوداً مضاعفة على كل المستويات، وبخاصة عملية التخطيط والتقييم لأي استحقاق وطني يتم إنجازه.
لقد جرت الأسبوع الفائت الانتخابات التشريعية السورية للدور التشريعي الرابع، وهي الرابعة من نوعها التي تشهدها البلاد بعد الأزمة السورية 2011، وبعد تعديل الدستور السوري العام 2012، أي بعد إقرار التعددية السياسية في البلاد، إلا أنه كان من اللافت غياب شبه كامل لأي حراك انتخابي من الأحزاب الجديدة المرخصة، باستثناء حالات فردية، بل أخذت الانتخابات على الصعيد الوطني شكلها المعهود قبل العام 2011، علماً أن البلاد قد شهدت خلال هذه الانتخابات حراكاً كبيراً، لكنه منوط بحزب البعث العربي الاشتراكي، أي حراك داخل الحزب لاختيار ممثليه، وهذا مؤشر على ضعف تلك الأحزاب الجديدة وعدم فاعليتها في الحياة السياسية السورية رغم مرور أكثر من عقد من الزمن على تأسيسها.
وبغض النظر عن الأشخاص الذين وصلوا إلى مجلس الشعب في هذا الدور، فإن زاوية الرؤية يجب أن تتسع لترى نسبة التغيير الكبيرة على صعيد الأسماء في بعض المحافظات، فمثلاً وصل إلى المجلس في هذا الدور التشريعي عن محافظة دمشق 23 عضواً جديداً من أصل 29 عضواً، ولكن لا يمكن تعميم ذلك على جميع المحافظات.
كذلك يجب أن تتسع زاوية الرؤية لتلحظ الحال العام على الصعيد الوطني الذي جرت فيه الانتخابات، إذ جاءت في مرحلة تحول داخلي يجريها حزب البعث، عبر عنها بسلسلة خطوات سابقة، وعلى الرغم من الاستمرار في اعتماد تجربة الاستئناس الحزبي لاختيار مرشحي البعث، فقد حرصت قيادته على مبدأ الانتخاب، بحيث كانت بوصلتها الرئيسية في اختيار المرشحين عن الحزب، نتائج الاستئناس، أي رأي القواعد، وإذا عدنا إلى دائرة القواعد والتعليقات حول وصف نجاح بعض الأشخاص في الاستئناس بـ«الإخفاق»، فإن المسؤولية هنا لا تقع على عاتق القواعد وحدها، وإنما على عاتق المؤسسة الحزبية التي كان بالإمكان أن تقوم بدور أكبر في اختيار المرشحين، ليس برفع مستوى وعي الناخبين من القواعد وحسب، وإنما من خلال انتقاء المرشحين من بين الناجحين بالاستئناس.
ما سبق مبني على رأي متداول في الشارع السوري حول بعض الأسماء التي وصلت إلى مجلس الشعب، وقد لا يكون هذا الرأي دقيقاً، وهنا تبرز مسؤولية المؤسسة الحزبية من جديد في الدفاع عن خياراتها، وعن آليات الاختيار، وليس عن العضو الناجح بصفته الشخصية وإنما عنه بصفته الحزبية، إذ ما تعلمه القيادة من معلومات دقيقة عن مرشحي البعث، مختلف تماماً عن رأي عام شائع مبني على آراء شخصية للبعض وعلى «التشويه والتبهير» الذي يشوه الحقيقة، ربما من غير قصد، وإنما نتيجة تناقل الأقاويل لتصبح إشاعات غير مضبوطة والقابلة للتحوير.
في السياق ذاته، فإن انتخابات مجلس الشعب للدور التشريعي الرابع جاءت في خضم مرحلة تحول يقودها البعث سواء ضمن المؤسسة الحزبية، أو على الصعيد الوطني بصفته الحزب الحاكم، وهذه المرحلة بدأها البعث منذ أطلق الأمين العام الرئيس بشار الأسد، حالة حوارية كبيرة داخل الحزب أفضت إلى آليات جديدة لانتخاب اللجنة المركزية للحزب، ومن ثم قيادة مركزية جديدة بنسبة 100 بالمئة، علماً أن المعيار الانتخابي كان الأساس الذي اعتمده البعث حتى في تغييراته الداخلية.
وفي توسيع دائرة الرؤية، لا يمكن إلا أن نرى أن الانتخابات التشريعية هي استحقاق دستوري وطني، حرصت الدولة السورية على إتمامه بأفضل الممكن وفي توقيته الزمني المحدد، وهذا دليل على قوة الدولة وقدرة مؤسساتها على القيام بمهامها، ولهذا مؤشراته المهمة في مرحلة عودة الدول التي عادت إلى سورية لتصحيح العلاقة معها، بعد أن كانت تلك الدول بوابات للشرور على سورية منذ العام 2011، وما يزال بعضها كذلك حتى الآن.
أياً يكن الحدث أو الاستحقاق الذي تشهده أو ستشهده سورية في المرحلة الحالية، فإنه لا بد من توسيع زاوية الرؤية، لإدراك الإنجاز المحقق.
كاتب سوري