الفنانة رانيا معصراني بين خطوط لوحاتها وقوس كمانها!
| د. راتب سكر
أعجبت بلوحات الفنان التشكيلي المهم د. عبد السلام شعيرة عن بعد، منذ سنوات طويلة، قبل أن ألتقي به زميلاً في العام الدراسي الحالي، ولمَّا ذكر اسمه الجميل، رفعت صوتي هاتفاً: «الفنان التشكيلي المعروف! يا مرحباً».
حواراتنا لا تنتهي عن الفنون والآداب، وحماة وعاصيها، وإعلامها، يحمل كل منا لأخيه من مكتبته المنزلية ما يراه مناسباً من كتب، وصور لوحات، وذكريات.
حملت له قبل أيام «ألبوم» مجموعات لوحات- سكيتشات أثيرة لدى قلبي، من أعمال الفنانة «رانيا معصراني»، مجموعة جمعاً أنيقاً بعنوان: «دمشق عيوني»..
لاحظ حماستي في تقديم مجموعة اللوحات، والفنانة التي رسمتها، فشجعني على الكلام، معرّفاً بسرّ العنوان المحتفي بدمشق في العيون، وصلته بالعلاقة الفائقة التشعّب بين الفنانة وأمِّها الروائية الكبيرة: «ناديا خوست»، التي جعلت دمشق القديمة والحديثة جوهراً محورياً في قصصها ورواياتها ومقالاتها، منذ سنوات بعيدة، وعنيت بهذا الجوهر في نضالها الاجتماعي والسياسي، مدافعة عن هويّة دمشق التاريخية، التي يفضِّل كثيرون من المنتفعين القفز فوقها إلى زمن جديد من حداثة غير أصيلة، لا تكترث لقيم تلك الهويَّة.
أخذ حواري مع الفنان عن عنوان مجموعة الفنانة رانيا معصراني: «دمشق في عيوني» وقت جلسة كاملة، فتركت المجموعة بين يديه، حتى إذا حان لقاء جديد يجمعنا، وجدته يفصّلُ في عمق الموضوع الدمشقي ورمزيَّته التاريخية في لوحات المجموعة، تلك الرمزية التي تسند انطباعية خطوط اللوحات بثراء معرفي وثقافي واسع، يحول اللوحة وخطوطها إلى ينبوع رؤى ومشاعر وجدانية عالية… وينتقل إلى حقول اختصاصه التشكيلي مستعيناً بحركات يديه في الكلام على تناغم موسيقي يكاد يسمع صوته، في انسياب الخط إلى أسفل، أو انحنائه يميناً أو يساراً، محتفلاً بدلالات غاياته، فذكَّرته أن صاحبة اللوحات والمنحوتات تخَرَّجتْ في المعهد العالي للموسيقا، وغدت عازفة كمان عالية الأداء في الفرقة السيمفونية الأولى منذ أسِّستْ مع الفنان الكبير صلحي الوادي، ورافق عطاؤها الموسيقي، لوحاتها ومعارضها، في سورية، ورحلاته إلى بلدان عديدة، ناهيك من رحلاتها المعرفية والثقافية والوجدانية اليومية المنزلية إلى عوالم أمّها الأديبة المهمة د. ناديا خوست.
هذا التناغم بين الرسم والموسيقا، يمكن للمرء تتبع نظائر له في رسم د. خوست أمكنتها وشخصياتها، وقد عبّر عنه الفنان التشكيلي اللامع نذير نبعة في كلامه على لوحات رانيا معصراني وموسيقاها، قائلاً: «لو فعلنا، لشاركناها توحدَها مع الرسم، ولسمعنا غناءها، وهي تنسجم مع خطوطها، وفرحها وهي تنجز رسماً، وترفع يدها عن الورقة، كأنَّها ترفع القوس عن أوتار الكمان».