ثقافة وفن

شعراؤنا العرب والتغني بالقمر … من الواقع إلى عالم الأحلام علاقة الشعراء الوجدانية بالقمر

| وائل العدس

يظل القمر بسحره وغموضه، بضوئه وظلامه وظلماته وكل تقلباته موطئاً ثرياً للشعراء والأدباء وحتى العلماء، فالكل مشدوه مترقب مأخوذ بهذا السحري الفضائي السابح بملكوت السموات والأرض، فلطالما كان القمر مفضلاً بشدة لدى الشعراء على مر العصور، إذ يمثل كل شيء بدءاً من الحب العذري الخالد إلى جمال المحبوبة والتغزل بها، وافتقاد الحبيب، حتى إدراك الاقتراب من الشيخوخة، وتوغل شعور الوحدة الإنسانية وكينونتها وغيرها من الأحوال والأفعال.

وقد أبدع الشعراء العرب بربط أشعار الحب والغزل بالقمر، واستخدموه رمزاً، فالقمر دائماً ما يكون حاضراً في الكثير من الأبيات الشعرية وحتى في بطاقات المعايدة، فماذا عن سرّ علاقة الشعراء بالقمر؟

قصيدتان لنزار قباني

يقول الشاعر السوري الراحل نزار قباني في قصيدته «أسألك الرحيل» التي غنتها الفنانة السورية نجاة الصغيرة:

انزع حبيبي معطف السفر
وابقَ معي حتى نهايات العمر
فما أنا مجنونة كي أوقف القضاء والقدر
وما أنا مجنونة كي أطفئ القمر

وفي قصيدة أخرى في كتاب بعنوان «كتاب الحب» للشاعر نفسه يقول:

الحب يا حبيبتي قصيدة جميلة مكتوبة على القمر
الحب مرسوم على جميع أوراق الشجر
الحب منقوش على ريش العصافير وحبات المطر
لكن أي امرأة في بلدي إذا أحبت رجلاً ترمى بخمسين حجر.

يا قمر

أما الشاعر السوري الراحل بدوي الجبل فقد كتب عن القمر في قصيدته «يا قمر» فقال:

هات حدِّثني فقد طابَ السَمر وأنِرْ ظلمةَ نفسي يا قمرْ
سور الحُسن فلا تبخل بها أن للشاعر ألحان السورْ
آهٍ للأزهارِ مِن شاعرة تجهلُ الأوزانَ والشِّعر شعورْ
آهٍ للأزهارِ في أوراقها كتبَ الدَّهرُ رواياتِ العصورْ
هذه الأغصانُ هزَّتها الصَّبا نضرات كنَّ بالأمسِ خصورْ
وثغورُ الوردِ في أكمامهِ كنّ للغيدِ المعاطيرِ ثغورْ
هذهِ أسرارُ جنَّاتِ الرُّبى فاسمع السرَّ وصنهُ يا قمرْ

يا قمر الليل

بدوره فإن أبا نواس أحد أهم شعراء العصر العباسي كتب قصيدة بعنوان «يا قمر الليل» فقال فيها:

يا قَمَـرَ اللّيْـلِ، إذا أظلَمَـا
هـل يَـنْـقُصُ التّـسليـمُ من سلّمَـا
قد كنت ذا وَصْلٍ فمن ذا الذي
عَـلّمـكَ الهِـجْرَانَ لا علّمَـا
إنْ كنتَ لي بينَ الوَرَى ظالِماً
رَضيتُ أن تَبقى وأنْ تَظلِمَا

وقال الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش في قصيدة «خائف من القمر»:

خبّئيني أتى القمر
ليت مرآتنا حجر
ألف سرّ سري
وصدرك عار
وعيون على الشجر
لا تغطّي كواكبا
ترشح الملح والخدر
خبّئيني.. من القمر
وجه أمسي مسافر
ويدانا على سفر
منزلي كان خندقاً
لا أراجيح للقمر
خبّئيني.. بوحدتي
وخذي المجد.. والسهر
ودعي لي مخدتي
أنت عندي
أم القمر

بين قيس وجميل

الشاعر الأموي قيس بن الملوح يصف حبيبته فيقول:

بَيضاءُ باكَرَها النعيمُ كَأَنَّها
قَمَرٌ تَوَسَّطَ جُنحَ لَيلٍ أَسوَدِ
مَوسومَةٌ بِالحُسنِ ذاتُ حَواسِد
إِنَّ الحِسانَ مَظِنَّةٌ لِلحُسَّدِ

ويقول العاشق الآخر وواحد من شعراء العصر الأموي جميل بن معمر الملقب بـ«جميل بثينة»:

هي البدر حسنا والنساء كواكب
وشتّان ما بين الكواكب والبدر
فقد فُضِّلتْ حُسْنا على الناس مثلما
على ألف شهرٍ فُضِّلتْ ليلة القدر

أركائب الأحباب

أبو الطيب المتنبي شاعر العرب قال في قصيدة «أركائب الأحباب أن الأدمعا»:

سَفَرَت وَبَرقَعَها الفِراقُ بِصُفرَةٍ
سَتَرَت مَحاجِرَها وَلَم تَكُ بُرقُعا
فَكَأَنَّها وَالدَمعُ يَقطُرُ فَوقَها
ذَهَبٌ بِسِمطى لُؤلُؤٍ قَد رُصِّعا
كَشَفَت ثَلاثَ ذَوائِبٍ مِن شَعرِها
في لَيلَةٍ فَأَرَت لَيالِيَ أربعا
وَاِستَقبَلَت قَمَرَ السَماءِ بِوَجهِها
فَأَرَتنِيَ القَمَرَينِ في وَقتٍ مَعاً

شعراء آخرون

أبو تمام:

فَلَا تَكُنْ كَالقَمَرِ فِي الْمُنْتَصَفِ
مُنْطَلِقاً مِنْ بَيْنِ الرُّكَام

ابن خفاجة الأندلسي:

يا طلعة القمر المنيرِ
كيف تشرقُ في غسقِ الدُجى؟

أحمد شوقي:

قَمَرُ السَّمَاءِ غَابَ فَلَمْ أَرَهُ
وَأَبْكَيْتُ مَنْ أَحْبَبْتُ وَأَنَا مُعَلَّمُ

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن