«اقتصاد الجمال» ونظرية «قلم الحمرة» في الاقتصاد السوري … ما هي أسعار «رفع المعنويات» عند السوريات؟!
| نورمان العباس
رصدت الوطن في جولة لها على مراكز التجميل وصول تكلفة عملية شفط الدهون والنحت وسطياً إلى 20 مليوناً، أما عمليات تجميل الأنف فتكلفتها وسطياً سبعة ملايين، وفيلر الذقن يتراوح بين مليون إلى مليونين ونصف حسب نوع الحقن، في حين تتراوح تكلفة فيلر الفم من مليون لمليون ونصف، والبوتوكس بـ850 ألفاً وذلك حسب الأسعار المعلنة.
الإقبال على هذا النوع من العمليات يؤكد أن كل هذا الارتفاع في الأسعار، وطول سنوات الحرب لم يمنع المرأة من الانتباه لجمالها، وكذلك الحال بالنسبة للاكتظاظ في المقاهي والمطاعم، واقتناء أجهزة الهواتف النقالة غالية الثمن من أشخاص يفترض أن يكونوا من أكثر المتأثرين بالأوضاع الاقتصادية، كل هذه الظواهر يمكن تفسيرها بما يعرف بـ«تأثير قلم الحمرة»، المصطلح الذي ظهر بعد الحرب العالمية الثانية في الماينا وعاد خلال الأزمة الاقتصادية عام 2001، والذي يمكن أن يعود إلى دوافع نفسية كامنة واقتصادية أخرى كامنة، فعند مواجهة الظروف الاقتصادية الصعبة، يميل المستهلكون إلى التوفير في الفواتير الكبيرة (السيارات، العقارات..) ولكنهم يزيدون إنفاقهم على الأشياء الباهظة الصغيرة خاصة التي تدعو إلى التفاؤل.
الدكتور في كلية الاقتصاد مجدي الجاموس أوضح أنه في الأحوال الطبيعية تكون ثقافة الرفاهية مرتفعة لكن بالأزمات الاقتصادية يبحث الأفراد عن وسائل صغيرة وبأسعار مقبولة لرفع معنوياتهم، وذلك لتحقيق استقرارهم النفسي، وأرجع السبب إلى أنه لا يوجد طموح في الحصول على منزل أو سيارة أو السفر، لذلك يلجأ الناس إلى هذه المنتجات كوسيلة للتكيف مع الضغوط المالية، وبين أن هذا السلوك ليس مجرد رفاهية بل هو انعكاس لرغبة الأفراد في الحفاظ على جزء من حياتهم الطبيعية وعدم الشعور بالخيبة الاقتصادية في ظل الأزمات.
وفسر الجاموس لجوء النساء السوريات إلى مراكز التجميل بأنه ربما يكون نوعاً من الاستثمار الأنثوي في تحسين مظهرها ليكون لديها فرصة أكبر بالحصول على عمل، أو زواج، أو ترقية وظيفية، بالإضافة إلى انتشار ثقافة التجميل في العالم وانخفاض أسعارها في سورية مقارنةً بالدول الأخرى
في حين يرى الطبيب النفسي تيسير حسون أن نظرية قلم الحمرة المعادل لها في سورية غلبة الجنس الأنثوي بعد الحرب وهذا جعل التنافس كبيراً بين الإناث، وبين أنه يجب أن نفرق بين مفهومين عمليات الترميم وعمليات التجميل، مضيفاً: عمليات الترميم تكون بسبب ضرورة طبية والذي يقررها هو الطبيب في حين في عمليات التجميل الأدوار مقلوبة المريض هو من يقرر وليس الطبيب، حتى لو كان المريض ليس بحاجة وهذا يعكس أمرين تعميم النمط الغربي بالجمال والذي بدأ بعد العمليات الناجحة التي أجراها أبطال هوليود والأمر الثاني هو «الإعلام» والذي جعل كل الناس ترى نمطاً معيناً هو النمط المرغوب كعارضات الأزياء على الرغم من أن نمطنا الثقافي يميل إلى الفتاة الممتلئة، مشيراً إلى أن «علم نفس الزبون» يركز على تحويل الأشياء «الكمالية والترفيهية» إلى «حاجة» و«ضرورة»، إضافة إلى أن الإعلان يعمل على جذب المستهلك إلى سلعة ما، فإنه يعمل أيضاً على تعويده عليها، ما يحدث في نهاية المطاف تغيراً واضحاً في نمط تفكير الجمهور وثقافته الاستهلاكية. ويكمن الخطر الحقيقي في أن تتحول هذه السلع والأفكار والاتجاهات إلى ضرورية وأساسية بعد أن كانت ثانوية وكمالية.
ورأى أن الجراحة التجميلية هي أكثر المجالات الطبية ارتباطاً بالإعلان وقد ازدهرت بسببه، وباتت في جزء كبير منها مادة إعلانية استهلاكية، وبين أن الأمر الذي يبعث على القلق هو أنه بات يُعلن بأن اختيار أنف جديد هو كشراء ثوب وأن الإجراءات التجميلية خالية من الألم والمخاطر وذلك ضمن حمّى إعلانية وإعلامية لا سابق لها.
وقال حسون: يرتفع الطلب على الجراحة التجميلية 32 بالمئة كل عام بعد عرض برنامج عن إعادة التصنيع الكاملة الذي انطلق في عام 2002. وفي عام 2003 أجريت أكثر من 8.7 ملايين عملية جراحية في الولايات المتحدة وينطبق الأمر ذاته على برنامج تلفزيوني آخر.
وأضاف ظاهرة اللجوء إلى عيادات التجميل في مجتمعاتنا هي حديثة العهد نوعاً ما، فهي من الناحية الاجتماعية والاقتصادية تنطوي على ترف يركز على الشكل كمسألة جوهرية، حيث ينظر إلى الجسد بوصفه سلعة قابلة للتسويق وهذه النظرة إلى الجسد تختزل الإنسان في مظهره الخارجي ويصبح الجمال هو ما يقدمه الإعلان والإعلام على شكل ممثلات هوليوود أو عارضات أزياء تعكس أشكالهن النمط الاجتماعي والثقافي للبلدان التي يعشن فيها.
فضلاً عن ذلك فإن الأبحاث المجراة على الثقافات تُظهر أن الأشخاص الأجمل من ناحية الشكل يميلون إلى الحصول على وظائف ذات دخل أعلى، وأنهم أكثر نجاحاً في مهنهم من الأشخاص الأقل جاذبية؛ كما أن هناك أدلة على أن التنافس الاجتماعي يحفّز الناس بشكل طبيعي على التلاعب بمظهرهم من أجل النجاح.