ثقافة وفن

«هنا دمشق».. من جبل قاسيون إلى ساحة الأمويين .. التلفزيون العربي من دمشق والقاهرة في يوم واحد

| وائل العدس

«هنا دمشق»، أولى الكلمات التي أعلنت بدء أول إرسال تلفزيوني سوري عند الساعة السادسة من مساء الثالث والعشرين من تموز 1960، ولاتزال قوة الكلمة حاضرة عبر الأيام وبعد 64 عاماً على البث الأول، رغم المحن والمصاعب والتآمر، على سورية، فمنذ انطلاقه وإلى اليوم لايزال التلفزيون السوري الملاذ الآمن للمواطن السوري ليستقي منه معارفه واطلاعه على ما يجري في العالم، كما أصبح نافذته وصلة الوصل بينه وبين المسؤول.

إذاً، يصادف في الثالث والعشرين من تموز ذكرى عزيزة على قلوب كل السوريين وخاصة الذين عاصروا هذا الحدث العظيم في عام 1960، ذكرى انطلاق إرسال التلفزيون في سورية بالتزامن مع بداية إرسال التلفزيون المصري الشقيق اللذين حملا معاً اسماً واحداً «التلفزيون العربي» لكون انطلاقتهما أتت في ظل دولة الوحدة التي كانت تجمع البلدين آنذاك.

في كانون الثاني من هذا العام بوشر بتشييد بناء عند قبة النصر على قمة جبل قاسيون، وتم تسليم البناء لهيئة الإذاعة بالجمهورية العربية المتحدة في شهر تموز من العام نفسه، وبدأ إرسال التلفزيون السوري بالأبيض والأسود من قمة جبل قاسيون في دمشق حيث أقيمت أول محطة إرسال بقوة منخفضة لا تزيد على 10 كيلوواط، واستمر إرساله ساعة ونصف الساعة فقط في اليوم الأول، كما لم يتجاوز مدى إرساله مدينة دمشق، وبعد أقل من عام على انطلاقته انتقل إلى مبناه الجديد في ساحة الأمويين.

إقامة استوديو الإرسال التلفزيوني في جبل قاسيون كان خياراً هندسياً كي تغطي شارة البث التلفزيوني أكبر مساحة ممكنة من دمشق وضواحيها، لكن الصعود إلى الجبل في طريق شاهقة ووعرة وغير ممهدة جيداً، كان معاناة يومية شاقة للعاملين فيه وتحدياً مربكاً للعمل الإعلامي.

وكانت أمانة العاصمة قد وضعت أجهزة تلفزيون في معظم حدائق دمشق العامة، ودأبت على تشغيل الأجهزة في المناسبات الوطنية.

وفي 17 أيلول 1960 صدر القانون رقم 323 القاضي بفرض رسم سنوي على كل جهاز تلفزيون قدره 50 ليرة سورية.

ومع ولادة هذا الجهاز السحري أصبحت كل عائلة تقتنيه مقصداً للجيران والأقارب وخاصة عند بث التمثيليات والمباريات الرياضية، كما كانت أمانة العاصمة دمشق تقوم بوضع أجهزة التلفزيون أمام الحدائق العامة في المناسبات الوطنية ليشاهده أكبر عدد من الناس.

لقد سحر هذا الجهاز عقول السوريين ببرامجه وتمثيلياته المشغولة بعناية ودقة وتحدٍ كبير لضعف الإمكانات المتاحة للعاملين آنذاك، الأمر الذي استدعى الصحافة العربية لتتحدث بفخر واعتزاز عن المستوى الراقي لأول تلفزيون على مستوى المنطقة العربية يدار بخبرات وطنية.

في البداية

ترأس التلفزيون في البداية الدكتور صباح قباني مع إداريين وكادر فني مميز هم الرواد الأوائل في التلفزيون، وكانت الأعمال التلفزيونية السورية الأولى تعتمد على فصول تمثيلية وسهرات مسرحية تبث مباشرة على الهواء، وقد قدم التلفزيون السوري الكثير من الأعمال الدرامية التي لا تزال في الذاكرة، وسهرات ولقاءات مع كبار الفنانين السوريين والعرب وكوّن سجلاً موسوعياً من أهم التسجيلات السورية والعربية، وكان التلفزيون السوري سباقاً في العديد من البرامج على المستوى العربي.

اعتمد في بداياته على عناصر فنية من الإذاعة السورية بعد إرسالها في دورات تدريبية قصيرة إلى إيطاليا استغرقت نحو شهر ونصف الشهر.

كان الافتتاح الساعة 7:45 بالنشيد الوطني، وآيات من الذكر الحكيم، وألقى قباني كلمة الافتتاح، وكانت تمثيلية «الغريب» أول عمل تم عرضه مباشرة على الهواء من إخراج سليم قطايا وبطولة ثراء دبسي وياسر أبو الجبين وبسام لطفي.

كما أطلت هيام طبّاع في برامج الأطفال، وناديا الغزي في برنامج «البيت السعيد» وانطلق فن العرائس بخبرات يوغسلافية ومواهب سورية من خلال برنامج «المسرح الصغير» وشخصية «ديبو الفهمان»، وظهر الفنان عمر حجو ليقدم فقرات التمثيل الإيمائي الضاحك، وتم تأسيس فرقة للفنون الشعبية تابعة للتلفزيون قدمت أرقى لوحات التراث الشعبي للشاشة الصغيرة، وخلال أقل من عامين كان التلفزيون السوري مثالاً يحتذى، وما هي إلا سنوات قليلة حتى انطلق إنتاجه الدرامي.

واعتمد في بداياته على عناصر فنية من الإذاعة السورية بعد إرسالها في دورات تدريبية قصيرة.

مراحل تطوره

تطور التلفزيون السوري بشكل كبير وصور وسجل وأنتج مئات الأعمال والأفلام التسجيلية التي توثق لمسيرة الفن والثقافة والأدب في سورية في المراحل منذ افتتاحه، إضافة إلى أرشيف لكبار الفنانين والفنانات السوريين والعرب وأهم حفلات الفنانين في سورية والاحتفالات المختلفة.

وشُيدت محطة إرسال في كل من حمص وحلب قوة كل منها 10 كيلو واط وفي عام 1966 شيدت محطة في صلنفة، وفي عام 1967 ربطت محطات دمشق وحمص وحلب وصلنفة بشبكة ميكروية حيث أصبح البث يصل إلى جميع المناطق.

من عام 1976 وحتى عام 1981 تم إنجاز عشرات محطات الوصل في مختلف المحافظات السورية لتغطيتها بالبث التلفزيوني، وفي عام 1978 بدأت تجربة الملون وظهرت بعض البرامج والمسلسلات الدرامية بالألوان، وفي عام 1980 أصبح الإرسال يتم بالألوان بنظام بال وسيكام ولحوالى عشر ساعات يومياً بعد أن كان لمدة أربع ساعات فقط يومياً.

كان التلفزيون يعتمد على سيارة نقل خارجي واحدة حصل عليها عام 1961 بالأسود والأبيض بغية نقل وتسجيل كل المتطلبات اللازمة للتلفزيون من برامج ومسلسلات وحفلات ومناسبات وغيرها، ثم حصلت الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون على سيارتي نقل خارجي بالألوان، ووصلت إحداهما في عام 1980 والثانية في عام 1981، وهما من أحدث سيارات النقل الخارجي في ذلك الوقت.

في عام 1985 تم إنشاء القناة الثانية في التلفزيون العربي السوري الناطقة باللغة الإنكليزية، وكانت تعرض أغاني ومسلسلات وأفلاماً عالمية، إضافة إلى برامج محلية منوعة، وحينها تمت تسمية البرنامج العام الناطق باللغة العربية بالقناة الأولى.

وفي عام 1995 تم إنشاء الفضائية السورية لينتقل البث من المحلي إلى العربي والعالمي، وفي عام 2008 افتتحت قناة «التربوية السورية» ثم افتتحت «الإخبارية السورية» عام 2011، يليها القناة الدينية «نور الشام» عام 2011.

كما تم افتتاح القناة المنوعة «تلاقي» عام 2012 واستمرت أربعة أعوام قبل أن تغلق عام 2016.

أهم البرامج

أما فيما يخص البرامج التي كان يبثها التلفزيون، فهي من إنتاجٍ محلي يشتمل على البرامج الدرامية كالتمثيليات والمسلسلات، وبرامج سياسية وإخبارية وثقافية وفنية وبرامج الأطفال، إضافة إلى الاستعانة بالبرامج التي تنتجها محطات التلفزيون في الدول العربية وشركات الإنتاج المختلفة. وكان أول الأعمال التي بثها التلفزيون يعتمد على فصول تمثيلية وسهرات مسرحية تُبث مباشرة على الهواء كان من أبطالها نهاد قلعي ودريد لحام ورفيق سبيعي ومحمود جبر، ومنها برنامج منوعات كان يقدمه قلعي ولحام ويتضمن مشاهد كوميدية خفيفة بعنوان «سهرة دمشق». تمثيلية «الغريب» 1960 هي أول عمل تلفزيوني قدم على الهواء مباشرة وتحدث عن الثورة الجزائرية من إخراج سليم قطايا وبطولة: ثراء دبسي، ياسر أبو الجبين، وبسام لطفي.

ومن الأعمال العالقة بالذاكرة تمثيلية «نهاية سكير» عام 1961 التي كتبها حكمت محسن وأخرجها نزار شرابي، ومن التمثيليات الفكاهية «مجلة الهموم» عام 1962 وكان بطلها فهد كعيكاتي، وفي عام 1966 تسارع الناس إلى بيوت الأقارب والاصدقاء لمشاهدة مباريات المونديال لذلك العام.

وشهدت برامج التلفزيون السوري في الثمانينيات والتسعينيات نهضة كبيرة على مستوى البرامج، لعل أشهرها: برنامج «محطات رياضية» الذي كان يُبث كل ثلاثاء ويقدمه الإعلامي الراحل عدنان بوظو.

أما برنامج «الأحد الرياضي» فقدّمه الإعلامي ياسر علي ديب إضافة إلى برنامج «عالم الرياضة» الذي بُثّ يوم الجمعة وقدمه الإعلامي وجيه شويكي.

لاحقاً بدأت القناة الثانية في التلفزيون السوري ببث برنامج «ما يطلبه الرياضيون» وتتالى عليه عدد من المقدمين من بينهم مصطفى الآغا.

إلى جانب برامج الرياضة كان للبرامج المهنية والحرفية والنقابية حصة، بينها «بناة الأجيال» ، وبرنامج «مع العمال» ، و«أرضنا الخضراء»، و«الأيدي الماهرة»، و«حماة الديار»، و«مع الشبيبة».

وبرنامج «ما يطلبه الجمهور» الذي استمر بثه لسنوات وحظي بنسبة مشاهدة عالية فكانت تقدمه الإعلامية ماريا ديب عبر القناة الأولى يوم الخميس، إضافة إلى برنامج «رينبو» الذي كان يبُث أغاني غربية تقدمه الإعلامية ييرادو كريكوريان عبر القناة الثانية يوم الإثنين.

وبرنامج «الشرطة في خدمة الشعب» تقديم الإعلامي علاء الدين الأيوبي.

و برنامج «آفاق علمية» قدمه الإعلامي طالب عمران، ولسنوات طويلة قدم الإعلامي الراحل توفيق البجيرمي برنامج «طرائف من العالم»، إضافة إلى برنامج العلوم «من الألف إلى الياء» إعداد وتقديم الإعلامي موفق الخاني حيث بدأ عرضه أسبوعياً من عام 1963، وحتى 2005 من دون انقطاع.

ومن البرامج الشهيرة أيضاً «المجلة الثقافية».

أما سهرة الخميس كانت تبدأ ببرنامج «مجلة التلفزيون» الذي تناوب على تقديمه عدد من الإعلاميين، والختام كل يوم مع برنامج المنوعات «غداً نلتقي»، وبرنامج ختامي مماثل عبر القناة الثانية بعنوان «آخر المشوار».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن