قضايا وآراء

كيف يمكن لهذا العالم أن يبقى صامتاً على ما يراه في القطاع؟

| تحسين حلبي

عشرة أشهر مرت على حرب الإبادة التي تشنها تل أبيب وواشنطن وحلفاؤهما بشكل مباشر على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وهي الحرب الأولى في تاريخ الحروب التي يرى فيها كل البشر في الكرة الأرضية يومياً وفي كل ساعة أكبر أشكال القتل وحشية بجميع الأسلحة لأطفال ونساء فلسطين في القطاع بل أيضاً بالتجويع ومنع المياه والدواء، فثمة من يموت تحت الدمار الذي طال أكثر من 70 بالمئة من المباني التي كانت قائمة قبل السابع من تشرين الأول الماضي ودون معرفة هويته لأن جيش الاحتلال كان يقصف عدداً من المباني مرات عديدة فيصبح من المستحيل إخراج ضحاياها من تحت الدمار.

إن حرب الإبادة هذه هي أول الحروب التي يقتل فيها أكبر عدد من الأطفال والنساء وبعضهم في داخل أرحام أمهاتهم اللواتي يستشهدن في بيوتهن وبين أزقة أحيائهن، ومع استمرار هذه الإبادة الوحشية ما زالت حكومات العالم تمنع المنظمات والمؤسسات القانونية والأممية الدولية عن تنفيذ قراراتها التي تطالب بإيقاف إسرائيل عن الاستمرار وتؤكد ضرورة محاكمة قادتها بارتكاب جرائم حرب، فكل هذه القرارات يراد نزع صلاحيتها وشرعيتها لكي لا تتجاوز قرارات واشنطن وحلفائها الداعمة لاستمرار المذابح، وبهذا الشكل سيصبح العالم كله تحت سيطرة وإدارة الولايات المتحدة في هذه الظروف، ولكن حقائق التاريخ وسجلاتها في ذاكرة هذا الجيل المعاصر وما يتبعه من أجيال لا يمكن لتل أبيب وواشنطن وحلفائها محوها، فالكل يرى أن معظم وسائل الإعلام لم تستطع إخفاء حقائق كثيرة برغم تجاهل حلفاء واشنطن لها، وخاصة حين ظهرت كل أشكال قتل الأطفال والنساء، فموقع «مجلة 972» الصادرة بالإنكليزية نشرت في مقال في 18 تموز الجاري أن مصير أكثر من 21 ألفاً من أطفال قطاع غزة مجهول ومعظمهم تحت الدمار، كما كشف موقع قناة «فرانس 24» في 20 تموز الجاري أن الأطباء في قطاع غزة تمكنوا من إخراج أطفال أحياء من أرحام أمهاتهم بعد أن قتلت نيران جيش الاحتلال أمهاتهم، لكن المحافظة على الأطفال حديثي الولادة أحياء أصبحت من أصعب المهام بسبب الدمار الشامل الذي قامت به إسرائيل لمعظم المستشفيات وكذلك بسبب الافتقار للأدوية والغذاء المطلوب لهؤلاء الذين ولدوا بعد موت أمهاتهم، وتكشف وزارة الصحة في قطاع غزة بالتنسيق مع منظمة يونيسيف للأطفال أن مكون فيروس شلل الأطفال من النوع 2 بدأ يظهر في قطاع غزة، وحذرت من السكوت عن انتشاره لأنه سيحول جيلاً من أطفال غزة إلى معوقين مشلولين، وكانت مجلة «بوليتيكو» الأميركية قد ذكرت في 19 تموز الجاري أن جراحين من المواطنين الأميركيين الذين تطوعوا لمساعدة الأطباء الفلسطينيين في القطاع أعلنوا في أكثر من مناسبة أن ما تقوم به إسرائيل في القطاع ضد المدنيين وخاصة الأطفال والأمهات خلال تسعة أشهر تجاوز في وحشيته كل الجرائم التي ارتكبت في الحروب السابقة، وذكر موقع «أوكسفام» الأميركي في 19 تموز الجاري أن إسرائيل تقوم بمنع وصول ماء الشرب وماء الغسيل إلى معظم سكان القطاع منذ فترة وتستخدمه سلاحاً فتاكاً ضد الفلسطينيين، وأشارت إلى أن الفلسطينيين لا يحصلون إلا على 30 بالمئة من المياه التي يحتاجونها للشرب وهو أدنى حد للمحافظة على الحياة في أسوأ الظروف، وما دام كل البشر يشاهدون في كل ساعة هذه المذابح فهم لن يتمكنوا من حذفها من ذاكرتهم لأنهم سيشاهدون صوراً أخرى لها بعد إزالة دمار البيوت والأحياء ورؤية عشرات الآلاف من بقايا الجثث التي سيعثر عليها ممزقة منذ الأسابيع الأولى للحرب على غزة حتى هذه اللحظة، فهل ستحرك هذه الصور ضمائر كل الحكومات الغربية الموجودة في الحكم منذ السابع من تشرين الأول الماضي؟ وهل ستصمت كل القوى الحية والثورية والإنسانية في هذا العالم على تواطؤ حكومات الغرب الامبريالي مع مرتكبي جرائم حرب هي التي حددتها كجرائم حرب منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945، وكجرائم حرب يستحق المرتكبون لها إنزال العقاب الشديد بهم في كل مواثيق وقوانين الأمم المتحـدة ومنظمات المجتمع الدولي؟

لا أحد يشك في أن الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة سيحملان سجلات كل هذه الجرائم منذ الاحتلال البريطاني لفلسطين عام 1920 وتسليمه فلسطين للعصابات الصهيونية المسلحة في ذاكرتهما وفي سجلاتهما التاريخية كزوادة للمزيد من المقاومة والتمسك بحق الشعب الفلسطيني في الحياة وتقرير المصير، فلا أحد يمكنه محو سجلات التاريخ الذي تحوله الذاكرة إلى كل أشكال النشر القابلة للبقاء مهما حاول مجرمو الحرب منع انتشارها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن